لو أنّ زلزال المغرب وقع حيث يشتهون

15 سبتمبر 2023
+ الخط -

في اللّحظة التي سمعتُ فيها عن وقوع الزلزال، رغم أن بعضنا في أقصى الشمال (في المغرب) لم يسمع فقط، إنما شعرَ أيضا بلفحة اهتزازٍ لم نفسّرها "زِلزالياً"، بدا شيئاً غير واقعي، ومهولاً كأنّ شاحنة صدمتك ولم توقعك، إلا عند تخفّف الصدمة. حتى الأخبار التي تتحدّث عنه تأخّرت، لولا "فيسبوك" الذي حمل الخبر طرياً وصادماً من المدن، فيما القرى كانت أمورها معتمةً إلى درجة الصّمت الرهيب. ذكر الخبر الأول خسائر مادية فقط، رغم قوّة الزلزال.
كيف يتحدّثون عن هزّة بقوة سبع درجات على مقياس ريختر، ويقتصرون على الإشارة إلى أنها خلّفت خسائر مادية فقط؟ تقول التفسيرات الصّحافية المضلّلة "لأن الزلزال حدث في مناطق قروية". لكن حدوث بؤرة الزّلزال في القرى يعني أن الدّمار شامل هناك، وأن الأخبار ستستغرق وقتاً لتصل. كان يمكن أن تقول: مع خسائر مجهولة. وتكون أمينة، طبعاً هذا درسٌ في الصحافة للصّحافة التي لا علاقة لها بالصّحافة، وهي التي تُسرع أولاً إلى أماكن المصائب، على شكل مواقع إلكترونية بدائية التكوين، وعديمة المهنيّة، تسبق الجميع إلى الفضائح والكوارث كأنّها تتوقّعها.
لم يكن من مصدرٍ لمعرفة ماذا يحدُث خارج المدن، لذا ظلّ الجميع في عمى معلوماتي، فرأينا فقط ما هدّمته أيدي الزلزال الثقيلة في المدينة القديمة في مراكش. وبعد ساعاتٍ بدأت تصل، على حياء، أخبارُ الكارثة وآثارها على المغرب المنسيّ الذي صار فجأة مكشوفا أمام العالم.
لعلّها سخرية القدر أن يضع حدثان مأساويان المغرب في واجهة الأحداث، ولم يقدّما الوجه الرسمي، وجه المغرب المحظوظ، وشاء القدر أن يقعا معا في أماكن منسيّة حتى التلاشي، في ذهن الدولة ومؤسّساتها، ليكشفا إهمالها مسؤوليتها وغياب سياسة اجتماعية تنموية تدّعيها. بود المسؤولين لو أن المصائب وقعت حيث القطار فائق السّرعة، أو الميناء المتوسّطي الضّخم أو المباني الكبرى التي تقدّم الوجه الحسن، ليُظهروا للعالم تقدّم المغرب، رغم أن هذه المشاريع أعزّ عليهم من أولادهم، فهي البقر الحلوب غير المهدّد بالنضوب.
تقع المناطقُ غير المحظوظة (المغرب غير النافع)، وهي الأطلس وجبال الريف والجنوب ومنطقة واسعة من الصّحراء، خلف حاجزي السّمع والبصر. والحقيقة التي ترفعها الدولة في وجوهنا دفاعا عن نفسها، هي صعوبة التنقّل، في نواحي الأطلس بشكل خاص. إنها شهادة ضدّها، فهي، لو أرادت، لشيّدت الطّرق لتحمي حياة كثيرين، وأهمّهم المرضى والحوامل. إلى درجة أن المرّة الوحيدة التي أغاثت فيها هليكوبتر حاملا في وضعية حرجة تم تصويرها، حتى يرى الجميع ما تفعله السّلطات "الكريمة" من أجل مواطنيها. ولؤم المصادفات أن آخر زلزال تعرّض له المغرب ضرب مدينة مقصيّة ومنسيّة، هي الحسيمة. منطقة مغضوب عليها سياسياً، فقيرة لكنها غير معدمة تماما، ما عدا القرى والنواحي، حيث حدث دمار كامل للبيوت، وموتى كثر تأخّر الوصول إليهم.
 قسمة الزلزال ضيزى، حتى وإن كان هو نفسه مصيبة لا نريدها لا للغني ولا للفقير، لا للصّديق ولا للعدو. فحين ندرُس معايير الأرض الأخلاقية في وهب كارثة الزلال، تفاجئنا. وأوّل دليلٍ على تحيّز الأرض ضد الفقراء أن الزّلزال وقع في منطقة متوسّطة النشاط التكتوني المُسبّب للزلازل، ما يعني أنها منطقة غير مرجّح حدوث زلازل فيها، فما بالك بزلزالٍ بهذا الحجم، لكن للحظ طرقه. دليلٌ آخر، وقوع الزلزال في المغرب، بدل جيرانه الأوروبيين، فبعد اصطدام الصّفيحتين الأفريقية والأوراسية، اللتين اعتادتا التحرّك ضد بعضهما بعضا، على أطراف البحر المتوسط انتهت معركة الفريقين في الشمال الغربي، حيث المغرب بمنسيّيه ومحظوظيه.
لا ينتهي لؤم الزلازل هنا، وإلا لماذا تقع في أكثر لحظات اليوم ضعفاً للإنسان، الليل، حيث يغفو في أمانٍ، متوقعاً أن يفيق والبيت كما هو ثابت في مكانه. وباقي الاحتمالات التي تضع الإنسان تلك اللحظة، في وضعية هشّة تجاه الطوارئ والكوارث. جل الإجابات العلمية تقول إنه لا وقت مفضّلاً للزلازل. إذن، حدوثها ليلاً محض حظ، ولا شك أن هناك ميكانيزمات لئيمة خلفه، فلو كانت رئيفة، لجاء الزلزال نهاراً ولنجا نصفُ الضّحايا، الذين سيجدُهم خارج البيت، فخّه المفضل. منكِ لله، يا صفائح الأرض التي لا ترسو على برّ، ويا حظوظ الفقراء الحزينة.

596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
596D72F8-6B45-4709-8735-7AC0F35F2CE1
عائشة بلحاج

كاتبة وصحافية وشاعرة مغربية

عائشة بلحاج