لندفع المصالحة الفلسطينيّة إلى الأمام

26 ابريل 2014
+ الخط -
كل الحقّ مع عضو اللجنة المركزية في حركة فتح، عزام الأحمد، في مطالبته الإعلام التعامل مع اتفاق المصالحة مع "حماس"، بإيجابيةٍ و"أَمانة". وكل الحق مع هذه السطور (وصاحبها؟) في تمنّيها على الإعلام أَن يحمي الاتفاق، فيدفع أجواءه الطيبة إِلى الأمام، من دون أَن يمسّ هذا الأمر بحرية هذا الإعلام، في تأشيره إِلى ما يراه نواقصَ تجعل المصالحة، المُحتفى بها، عرضةً للاهتزاز والارتداد إلى الوراء. وإذ يتم التأكيد، هنا، على هذه الحرية، فلا غضاضةَ (أو لا مشاحةَ، إذا وصلنا بالفصاحة إلى هذا المبلغ) من التذكير بأنه يمكن مزاولتها بمقادير من المسؤولية. وفي البال أن كلاسيكيات دروس كليات الإعلام وأكاديمياته قالت إنّ من وظائف الإعلام، وواجباته، أن يتّصف بالمسؤولية في مطارح محددة. ويجري الإلحاح، هنا، على البديهية هذه، مع تسليمٍ بحقّ المشتغلين بالتعليق السياسي في إيراد مخاوف من انتكاسةٍ قد تضرب الاتفاق الجديد، ولكن، يحسنُ الحديث عنها للتنبيه إليها وتفاديها، لا للتنغيص، بالتذاكي في ملاعبة الشياطين التي تقيم في التفاصيل. ولا من باب التشاطر إيّاه الذي يأتي على الأرشيف السخيف (إياه أيضاً) من ممارساتٍ فتحاويةٍ وحمساويةٍ في السنوات السبع الماضية، للتدليل بها على أن المُنجز الجديد سيلتحق بسابقيه من اتفاقياتٍ وتفاهماتٍ، بين الحركتين، إلى الحبر الذي على الورق، كما في الرطانة المألوفة.
إبداءُ الحذرِ مشروع، كما الجهر بالمخاوف من افتعال حوادثَ تستثير مسوّغاتٍ، (ما أكثرها)، لتجد فيها أَوساطٌ فتحاويةٌ، وأخرى نظيرةٌ لها في "حماس"، ذرائع (أو تعلاتٍ) لعدم الالتزام بالاتفاق، ولوضع شروطٍ لتنزيل هذا البند، أو ذاك، في الواقع. ولكن، في الوسع الإتيان على هذا كله (وغيره) بنبرة الحرص على المصالحةِ وصيانتها، والتشجيع على مرونةٍ وإيجابيةٍ لازمتيْن في تشكيل حكومة التكنوقراط، للانتقال إلى انتخاباتٍ يُفترض أَن تنقل الحال السياسي الفلسطيني إلى مناخاتٍ أخرى، ثم العمل الجدّي باتجاه تفعيل (الأَصحّ إحياء) منظمة التحرير، وإعادة هيكلتها، إلى غير ذلك من بنودٍ مرّت في اتفاقيات صنعاء ومكة المكرمة والقاهرة والدوحة، واستقرّت في وثيقةٍ جديدةٍ، صيغت، الأربعاء الماضي، في منزل إسماعيل هنية في مخيم الشاطئ بقطاع غزة. وسرّنا أن محمود الزهار، المحسوب على صقور "حماس" باتجاه "فتح"، كان له الإسهام الأهمّ في "تزبيط" الصياغات، والتي قرأنا أنها قوبلت بأريحيّةٍ "زائدة" من عزام الأحمد. ومن أسباب بهجةٍ مشتهاةٍ أنّ ذلك كلّه جرى بإحاطةٍ محمودةٍ من فاعلياتٍ وطنيةٍ فلسطينيةٍ، وبحضورها، وكانت قد بذلت جهوداً ومبادراتٍ طيبةً من أجل طيّ صفحة الانقسام الأسود.
أول ما يحسنُ أن يؤكد عليه أهل الاعلام والنقاش السياسي أَن الانقسام كان مخزياً، وهذا نعته الأنسب. ولأنه كذلك، الجميع مسؤولون عنه، في "فتح" و"حماس" وغيرهما. ولا يزيدُ أحدٌ في الطنبور وتراً إذا ذهب إلى أن هذا الانقسام، السياسي والجغرافي والنفسي، أخذ الراهن الفلسطيني إلى قيعانٍ بعيدةٍ من التفاهة. وثاني ما لا ينبغي غيابه وتغييبه في أي نقاش، وفي أي إعلام، أن الانقسام المذكور، المخزي كما سبق نعتُه، لم يكن لأنّ أحد طرفيه منبطحٌ في التفاوض مع إسرائيل، فيما الآخر لا ديدن له سوى جرّ الصهاينة إلى ساحات الوغى. هذه فريّةٌ غير صحيحة، وإنْ نجحت "حماس"، أَيّما نجاح، في إشاعتها سبباً للذي صار، فيما أنه صار بسبب تنازعٍ غير منسيٍّ على سلطاتٍ أمنيةٍ وبوليسيةٍ في قطاع غزة. نقرأ الاتفاق الجديد، فلا نلحظه يمنع قيادة منظمة التحرير من مفاوضة إسرائيل، وثمّة وثيقة القاهرة للمصالحة، برعاية عمر سليمان، والتي امتنعت حماس، في لحظةٍ أخيرةٍ، عن توقيعها، جاءت على حق الفلسطينيين في المقاومة. واتفاق القاهرة وإعلان الدوحة لم يحظرا على محمود عباس التفاوض. ولأن الأمر على هذا النحو، نزعم أنها ميسورةٌ معاونةُ الفلسطينيين أنفسَهم على تنفيذ التفاهم الجديد، وعلى وسائل الإعلام أن تساعدهم، وإلا استجدَّ طورٌ سخيفٌ آخرُ من المهزلة المخزية. 
   
 
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.