إبراهيم عقيل ورفاقه في سورية
أول القول هنا إن سطور هذه المقالة لا تُشغِل نفسَها بالمرضى النفسيين، الطائفيين، ممن يتوهّمون انتسابَهم إلى الثورة السورية، وإنما بأصدقاء وزملاء ومعارف، من أصحاب الرأي الرزين، ومن أهل المواقف النظيفة، واصطفّوا مع شعبهم في تلك الثورة، وقد وجدوا أنفسَهم غير قادرين على التعاطف مع حزب الله في نكباته أخيراً، سيّما تصفية قياداتٍ ميدانيةٍ وازنةٍ في قواته، في قصفٍ إسرائيليٍّ استهدفهم في اجتماع لهم في مبنىً سكنيٍّ في الضاحية الجنوبية لبيروت، يومين بعد تفجيراتٍ في أجهزة اتصالاتٍ بين أيدي عناصر في الحزب. وفيما لا يحتاج انتصار أصحابِنا هؤلاء للمقاومة الفلسطينية إلى برهانٍ أو كثير كلام، ولا يتسامحون مع أي تشكيكٍ في وقوفهم ضد كل ما يهزّ العدو الصهيوني ويرجّه ويؤذيه، فإن من بالغ الوجاهة أن يجري السؤالُ في مجراه عن الأسباب التي تجعلهم لا يُبدون أسفاً على ما لحق حزب الله، أخيراً، من خساراتٍ كبرى في قيادييه العسكريين والمحاربين لديه، وقد سقطوا اغتيالاً في استهدافاتٍ إسرائيلية، وهم الذين كانوا يديرون ضرباتٍ صاروخيةً، موجعةً أحياناً، على أهدافٍ في كيان الاحتلال. ولن تستعصي الإجابة عن السؤال المُربك، فموجزُها أن كثيرين من هؤلاء، وهم معلومون بأسمائهم، وأبرزُهم إبراهيم عقيل الذي يُعرَّف بأنه قائد قوة الرضوان، وهذه من نخبة قوات حزب الله، نُسبت إليهم فظاعاتٌ في قتالهم إلى جانب النظام السوري ضد أهل الثورة، في الزبداني وحمص والقصير والقلمون، وفي حصار حلب (2016)، وفي مواقع أخرى في الأراضي السورية، بل ذاع أنهم قادوا أكثر من حصارٍ لمدنيين سوريين، بينهم أطفالٌ ومسنّون، بعد التدخّل العسكري المعلن لحزب الله لمعاونة النظام في عملياته العسكرية.
لأن الشماتة شعورٌ مرذول، وغير إنساني بداهةً، ولأن الذين جهروا به سفهاء، اكتفى بعضٌ طيّبٌ من نخبةٍ سورية بالتعريف بما تردّد أن أولئك القادة في حزب الله اقترفوه في سورية، والذين قُتلوا في الاعتداء الإسرائيلي الخميس الماضي (قُتل شقيق أحدهم في القصير في 2013). وهنا، يجوز استغراب أن يجري هذا بعد موت هؤلاء في جريمةٍ إسرائيليةٍ غادرةٍ، وكان الأوْلى التشهير بهم وهم أحياء. ولأن أفق الثورة السورية هو العدالة وحكم القانون، وليس التعاطي بعقلية الثأر الأعمى، فإن ما كان يلزم أن يصير ليس انتظار عدوانٍ إسرائيليٍّ على الضاحية الجنوبية يُميت إبراهيم عقيل وعباس مسلماني وأحمد وهبي ورفاقهم (وسكّاناً مدنيين عديدين)، وإنما أن تُهيّأ ملفاتٌ توثّق ما فعله هؤلاء بسوريين معلومين، ومسلّحة بدلائل من شهودٍ وعارفين، ليكون في الوُسع الشّغل القضائي بشأنهم، والمطالبة بمحاكماتٍ لهم، بالاستناد إلى قرائن تعزّز اتهاماتٍ محدّدة، متعيّنة بالزمان والمكان، فليس الأمر أن يُساق كلامٌ ثم كلامٌ عن كثيرٍ قارفه هؤلاء من حزب الله في سوريين مدنيين، على صفحات التواصل الاجتماعي، عندما تقتلهم إسرائيل، وإنما أن تُوظِّف كفاءاتٌ قانونيةٌ سوريةٌ قدراتِها في تجهيز اللازم من مساطر إجراءات الدعاوى والتقاضي، فليست ساحة معركة السوريين مع النظام وشبّيحته والقوى التي ساندته ميدانياً ملاعب السوشيال ميديا، مع أهمية هذه في الشأن الإعلامي والتواصلي، وإنما هي ساحاتُ إحقاق الحقّ في مؤسّسات العدالة.
لقائلٍ أن يحاجج في هذا، ويذكّر بأن نقصان الثقة الباهظ بأجهزة العدالة الدولية في الشأن السوري لا يتيح مزاجاً يأخُذ بإنجاز اللازم من توثيق ملفّاتٍ مضبوطة الوقائع والتفاصيل، للترافع القضائي، أو أقلّه للترافع الإعلامي في مساجلاتٍ مع حزب الله الذي لا يتعامل مع الموضوع السوري وفقاً لمنطق الحقّ والعدالة والإنصاف، ويُؤثر البقاء في مربّع محاربته الإرهاب في مواجهة مؤامرةٍ على نظام الممانعة في دمشق. ولمّا كان الأخذُ والردّ مع هذا الكلام وحواشيه قد استنزف أطراف الجدال، فإن مغادرة هذه المساحة إلى مساحة القانون هو ما كان يلزَم تأكيدُه، والأخذُ به، والمضيّ فيه. وفي ظنّ صاحب هذه الكلمات أن المعارضات السورية صرفت جهداً كثيراً في ما لا نفع منه، وغيّبت البعد المتحدَّث عنه هنا، مع كل ما لمفاهيم العدالة والمحاسبة وسيادة القانون من ضروراتٍ موجبة... كان من شديد الأهمية أن يعرف السوريون، وغيرُهم، ما يُتّهم به إبراهيم عقيل ورفاقُه قبل أن يرحلوا شهداءَ في جريمةٍ إسرائيليةٍ مُدانة، بشهاداتٍ ومعطياتٍ موثوقة. ويبقى من شديد الأهمية أن لا يُصاب أهل الثورة السورية بمرض الشماتة المبغوض.