لماذا يثور الأمنيون الإسرائيليون ضد إضعاف القضاء؟
لدى مراجعة الوقائع التي تصدّرت حملة الاحتجاجات في إسرائيل على خطّة التغييرات القضائية خلال الأسبوع المنصرم، يمكن ملاحظة أن أبرزها تجسّد في انضمام مزيد من العناصر الأمنية إليها. وهذا يشمل عناصر من تشكيلات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، ومسؤولين سابقين في قيادة الجيش، وفي جهازي الموساد والشاباك.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن فور ذلك، والحقيقة أنه يُطرح منذ بدء هذه الاحتجاجات قبل أكثر من نصف عام، بالتزامن مع أولى بوادر انخراط الأمنيين فيها: ما الذي يثير قلق هؤلاء من مجرّد التغييرات في الجهاز القضائي، والتي يروْن أنها ستؤدّي إلى إضعاف رقابته على السلطتين التشريعية والتنفيذية؟
لئن كان الدافع الظاهر الذي يلوّح به هؤلاء "حماية الديمقراطية من استبداد الأكثرية"، فإن الدافع الحقيقي كامن في أمر مغاير. وهو ما عبرّت عنه مثلًا إحدى مجموعات الاحتجاجات التي تطلق على نفسها اسم "طريقنا"، وكتبت في بطاقة تعريفها ما يلي: ثمّة في العالم جهات عديدة تحاول المساس بالجيش الإسرائيلي، فهي تلاحق المقاتلين والمقاتلات من إسرائيل، وتهدّد برفع شكاوى في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ومحاكم دولية أخرى، وتسعى هذه الجهات إلى أن يخشى هؤلاء المقاتلون والمقاتلات من أي سفرة إلى الخارج. ولا بُدّ من الإقرار بأنّ من يقف في مواجهة هؤلاء ويحول دون تنفيذ رغباتهم هو المحكمة العليا في إسرائيل.
وبحسب ما تؤكّد هذه المجموعة وغيرها، فإن أحد الأسس المركزية التي يستند إليها القضاء الدولي والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي هو ما يُعرف بـ"أساس التتام"، الذي ينصّ على أن تكون الصلاحية القضائيّة الدولية متمّمة للصلاحية الوطنية لكل واحدة من الدول. وهذا يعني أنه طالما أن الدولة الوطنية تقوم بالتحقيق، وتقدّم متّهمين إلى المحاكمة، وتدير عملية قضائية جديرة ومستقلّة، فإن المحكمة الدولية لن تتدخّل. وما يسعى إليه الائتلاف الحكومي الحالي هو تشريع قوانين من شأنها إضعاف المحكمة العليا ومنح الكنيست قوةً تتيح له إمكان التغاضي عن قرارات هذه المحكمة وتجاوزها، الأمر الذي سيؤدّي إلى إلحاق ضرر بالغ بمكانة المحكمة الإسرائيلية العليا في العالم، والنتيجة المباشرة لذلك تهديد كل من خدم في الجيش الإسرائيلي. وعند هذا الحدّ ينبغي، في قراءة تلك المجموعة، إعادة تأكيد ما يلي: المحكمة الإسرائيلية العليا هي الدرع الواقي لمقاتلي الجيش الإسرائيلي ومقاتلاته، وأيّ مساسٍ بها هو مساس بهذا الجيش الذي يحمي أمن السكان والدولة.
وقد تكون مقولة "المحكمة العليا هي الدرع الواقي للجيش الإسرائيلي" أكثر المقولات تكرارًا خلال حملة الاحتجاجات، وليس فقط يردّدها الأمنيون أنفسهم، أو المحللون الإسرائيليون، السياسيون منهم والعسكريون والقانونيون، إنما أيضًا قضاة هذه المحكمة أنفسهم، بما يبرهن على نظرتهم الذاتية حيال جوهر دورهم وسقف التوقعات منهم. فمثلًا، رئيسة المحكمة العليا الحالية، القاضية إستير حيوت، قالت في سياق خطاب لها أمام مؤتمر لمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب عن أداء الجهاز القضائي في كل ما يتعلق بالمواضيع المرتبطة بالأمن القومي، عقد قبل نحو أربعة أعوام: المحكمة العليا هي بمثابة سور واق بالنسبة إلى إسرائيل بدايةً في وجه الدول الغربيّة التي تستأنف على شرعية السياسة في الأراضي المحتلة 1967، وكذلك في مقابل محاكم دولية تُرفع فيها دعاوى ضد إسرائيل بشبهة ارتكابها جرائم حرب في تلك الأراضي المحتلة. ومباشرة بعد إعلان خطّة التغييرات القضائية في يناير/ كانون الثاني الفائت، وفي نطاق مؤتمر لخبراء في شؤون الحكم والقانون، حذّر القائم بأعمال رئيسة المحكمة العليا السابق، القاضي إلياكيم روبنشتاين، من مغبّة هذه التغييرات، ولفت إلى أنّ "المحكمة العليا هي درع واق في مقابل محكمة لاهاي الدولية. وهي رصيد استراتيجي للدولة. والجهاز القضائي يخدم دولة إسرائيل بكل الولاء، ولذا فإضعافه بمثابة إضعاف للدولة".