لماذا حركة مقاطعة إسرائيل مستهدفة؟

31 مارس 2021
+ الخط -

تواجه حركة المقاطعة الاقتصادية والثقافية لإسرائيل حملة مسعورة في دول أوروبية وأميركا تسعى إلى تجريمها وملاحقة رموزها، تقف وراءها الحركة الصهيونية، من خلال الضغط على حكومات وبرلمانات ومحاكم لاستصدار قرارات وأحكام بقصد ترهيب الناس من الانضمام لها أو التعاطف معها. وبقدر ما تعتبر هذه الحملة ترهيبية وعدوانية، تستهدف حرية التعبير، إلا أنها تعبر عن نجاح حملة المقاطعة. وفي الوقت نفسه، عن خوف الحركة الصهيونية منها، لأنها تهدد وجودها، وتكشف عن حقيقتها أنها أيديولوجية عنصرية شوفينية احتلالية. ففي فرنسا أقرّت محكمتها العليا تجريم حركة المقاطعة، قبل أن تنتصر لها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي رأت في قرار المحكمة الفرنسية انتهاكا للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، واعتبرت نشاط حركة المقاطعة السلمي مكفولا بقوانين حماية حرية الرأي والتعبير. وفي ألمانيا، صادق البرلمان الفيدرالي على مشروع قرار غير ملزم يصف حركة المقاطعة بالعنصرية ومعاداة السامية، ويدعو إلى محاصرة أنشطتها، وهو المشروع الذي تعمل مجموعات التضامن مع الشعب الفلسطيني في ألمانيا وأوروبا على إسقاطه، لأنه يناقض حرية التعبير التي يكفلها الدستور الألماني. وفي أميركا، كانت إدارة الرئيس اليميني، دونالد ترامب، تعمل على تصنيف حركة المقاطعة بأنها "معادية للسامية"، ومعاقبة كل المنظمات المشاركة فيها بدعوى أنها تدعو إلى الكراهية. وبعد انتخاب الرئيس الديمقراطي، جو بادين، دعت الاتحادات اليهودية في أميركا الشمالية إدارته إلى اعتماد التعريف المثير للجدل الذي أقرّه "التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست" الذي يعرّف "معاداة السامية" بأنها كراهية لليهود، ويشمل ذلك حتى التصريحات المعادية لإسرائيل.

حركة التي أطلقها نشطاء فلسطينيون عام 2005 مستوحاة من حركة المقاطعة في جنوب أفريقيا إبّان فترة نظام "الأبرتهايد"

ما الذي يجعل كل هذه الدول، بمحاكمها وبرلماناتها وإداراتها، تتحرّك ضد حركة سلمية تتبنّى اللاعنف، سلاحها الوحيد المقاطعة، بكل أشكالها الاقتصادية والثقافية والفكرية، لمشروع الفكرة الصهيونية؟ ثمّة أكثر من سبب يدفع الحملة الصهيونية إلى التحرّك، على أكثر من جبهة، لتشويه حركة المقاطعة: أولا، لأنها سلمية غير عنيفة، لا تستهدف الأفراد، بل المؤسسات والشركات. وثانيا، لأنها شعبية تعتمد على الشعوب، وليس على الحكومات، ونجحت في عولمة النضال الفلسطيني. وثالثا، لأنها كشف حقيقة عنصرية الدولة الإسرائيلية، وعرّت زيف الخطاب الإعلامي الذي يقدّمها كونها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. لكل هذه الأسباب، تصنف إسرائيل حركة المقاطعة بأنها أكبر "تهديد استراتيجي" لكيانها، لا يقل خطورة عن ما تصفه بـ "التهديد الإيراني" لوجودها!

ونكاد في المنطقة العربية لا نسمع الكثير عن حركة مقاطعة إسرائيل. ولذلك يجهلها ناسٌ كثيرون، وحتى أن بعض من تأتّى لهم معرفتها أو السماع بأنشطتها يبخّسون عملها، أو على الأقل لا يعيرونه ما يستحقه من اهتمام، ربما لأنها تشتغل في صمت، مع أنها حركة المقاومة الأكثر فاعلية التي تعمل على أرض الواقع، وتحقق نتائج تقض مضاجع الحركة الصهيونية في كل مكان.

وأكبر دليل على فاعلية نشاط هذه الحركة شراسة الحملة الصهيونية ضدها في كل مكان، واتهامها بـ "معاداة السامية"، وهو أخطر سلاح تستعمله الصهيونية في مواجهة منتقديها. ومع الأسف، يأتي تسونامي التطبيع الذي يغمر اليوم أكثر من دولة عربية في وقت تحقق فيه حركة مقاطعة إسرائيل نجاحاتٍ كبيرة، سواء داخل فلسطين المحتلة أو في دول غربية كبرى. ومن هنا، خطورة عمليات التطبيع التي أقدمت عليها أكثر من دولة عربية مع إسرائيل، لأنها تكسر طوق العزلة من حولها، وتضرب في الصميم عمل حركة المقاطعة التي تقوم على ثلاثة أهداف، تتمثل في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتفكيك مستوطنات الضفة الغربية وتدمير جدار الفصل العنصري ورفع الحصار عن غزة، وإنهاء النظام الإسرائيلي التمييزي ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، والسماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم أو مناطقهم الأصلية. ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، تتبنى الحركة ثلاث آليات، هي المقاطعة بكل أشكالها الاقتصادية والثقافية والعلمية والأكاديمية لدولة إسرائيل، وسحب الاستثمارات من المستوطنات الإسرائيلية، ومعاقبة إسرائيل على انتهاكاتها القانون الدولي، وملاحقتها أمام المحاكم الدولية ضد الإفلات من العقاب.

يجب عدم الاستهانة بسلاح المقاطعة، فهو متاح لكل من يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، عدا عن أنه آمن وغير مكلف

وغير خافٍ أن هذه الحركة التي أطلقها نشطاء فلسطينيون عام 2005 مستوحاة من حركة المقاطعة في جنوب أفريقيا إبّان فترة نظام "الأبرتهايد"، حيث نجحت تلك الحركة في نزع الشرعية عن نظام الأقلية البيضاء العنصرية في جنوب أفريقيا، وإنهاء نظام الفصل العنصري فيها. والحركة الصهيونية اليوم لا تقل خطورة عن نظام "الأبارتهايد"، بل إنها أخطر منه بكثير، ليس فقط لأنها تعتمد سياسة الاستيطان والتطهير العرقي، ولكن أيضا لكونها تدّعي امتلاك شرعيات دينية وتاريخية وأسطورية غير قابلة للنقاش. ولكن ما يجب ألا يخفى علينا أن الصهيونية التي يخشى اليوم كثيرون انتقادها خوفا من اتهامهم بمعاداة السامية، كانت، حتى الأمس القريب، تعتبر "شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"، بحسب قرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1975، تم إلغاؤه بمباركة فلسطينية وعربية عام 1991، في لحظة ضعفٍ عربيٍّ عقب الحرب الأولى على العراق، وذلك في مقابل حضور إسرائيل مؤتمر مدريد للسلام الذي شكل بداية التنازلات الفلسطينية والعربية لإسرائيل، والتي ما زال نزيفها مستمرا.

ومن باب التذكير والمقارنة، تحقق انتصار المقاطعة الاقتصادية على نظام "الأبارتهايد" في جنوب أفريقيا بداية تسعينات القرن الماضي، في لحظة كانت فيه حركة المقاومة المسلحة في جنوب أفريقيا، على الرغم من قوتها بفضل الدعم المادي والمعنوي الذي كانت تحظى به من أكثر من دولة بما فيها الاتحاد السوفييتي آنذاك، قد تراجعت وخمدت، أمام الضربات القوية التي وجهها النظام العنصري لقادتها ورموزها. لذلك يجب عدم الاستهانة بسلاح المقاطعة، فهو متاح لكل من يؤمن بعدالة القضية الفلسطينية، عدا عن أنه آمن وغير مكلف، فهو لا يحتاج سوى إلى يقظة الضمير ووجود الإرادة ضد محاربة الظلم وصلابة الإيمان بالانتصار عليه، وهذا أضعف الإيمان، لكنه أبلغه، إن كان صادقا وحازما.

D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).