للكبار: حكاية الذئب والخراف السبعة

27 أكتوبر 2016
+ الخط -
حكاية الذئب والخراف السبعة الشعبية ألمانية، مستوردة مثل حكاية حزب البعث العربي الاشتراكي. وهي قاسيةٌ قبل النوم، وقد تستدعي الكوابيس، وأذكر أني كنت أرويها لأطفالي، بعد تحويلها إلى كوميديا، لقسوتها مع نهايتها السعيدة، وكذلك تفعل سلطات الأنياب بالاستعانة بفن الكوميديا ونجومها، لجعل الطغيان مستساغاً، فالسمُّ يحتاج قليلاً من العسل. وفيها أنَّ النعجة حذّرت خرافها من مكر الذئب، وأوصتهم بإيصاد الباب، وجاء الذئب وغرَّد بلبل الباب، وادّعى أنه أمّهم، لكن الخراف كشفته، فأمّهم صوتها عشبيٌّ خالٍ من دماء العواء، فلجأ إلى معاهد الغرب، فنصحوه بالطباشير، وهي رمز العلم في قصة السلطة. وكان للحكاية أن توصي بأنواع من سكر النبات لترقيق الصوت، أو تسجيل الصوت في استوديو، كما يفعل مطربو هذه الأيام، فما أن يغني مطربنا الذئب من غير مراهم صوتٍ، حتى يتحول صوته إلى عواء.
عاد الذئب وعزف على نشيد الباب الوطني، وخطب فيهم، وقال إنه سيجعل لهم الحظيرة "قدِّ الدنيا"، وإنه سيعيد لهم القدس.. فقالت له الخراف التي خلَب سمعها صوته الطباشيري الأبيض، بعد أن لمحت براثنه من تحت خصاص الباب، فقالت: العب غيرها، فأمنا أقدامها بيضاء ناصعة، وليست سوداء مثل الزفت.
فاستشار دكاكين التخطيط الاستراتيجي، فأشارت عليه بالطحين، فعفّر أقدامه بها، فصارت بيضاء وعاد، فانطلت الخدعةُ على الخراف، وفتحوا له الباب، وخدعة مكياج الطحين دالةٌ في الحكاية، فالخبز هو المفتاح الثاني بعد الطباشير. اللحظة التالية قاسية، وهي لحظة فتح الباب والاستيلاء على السلطة والدستور. تفرُّ الخراف المذعورة، وتختبئ في مخابئ العش السعيد: تحت السرير، وفي دولاب الملابس، وتحت نضد المطبخ والمدخنة، وراء الأريكة.. فالأولاد يحبون لعبة الغميضة، المخابرات يحبونها أيضاً.
يفترس الذئب الخراف واحداً واحداً، إلا الصغير الذي يختبئ في ساعة الجدار. الزمن هو المفتاح الثالث في حكاية السلطة والغزو، بعد العلم والخبز. الخروف الأصغر هو رمز الجيل الجديد، ووريث المعرفة والخبرة والذكاء. الحكاية مثل كل الحكايات العالمية تعطف على الصغار، فالصغير يحتاج إلى ترقية وحنان خاص، أما حنان مذيعة بريطانية وأخرى أميركية وبكاؤهما على إيلان وعمران، فطارئ، فخروفنا غير خروفهم.
تتابع الحكاية مصير الذئب بعد الوجبة الدسمة، فيذهب إلى قيلولةٍ تحت أقرب شجرة، ويغط في نوم عميق، وهذا ما يحدث لكل الذئاب التي في السلطة، تسكر، وتنام في ظل شجرة الطغيان والقوة، وتلتهم كل شيء. السلطة الدكتاتورية شرهة، فهي تأكل حتى نفسها في خواتيم جشعها. تعود الأم، فلا تجد صغارها، فتبكي وتنتحب، فيسمع الصغيرُ صوتها فيخرج من غمضة الزمن، مبشّراً بالولادة الثانية، فيروي لها ما جرى. الطغاة الذئاب يعملون على طمس الذاكرة وتزوير التاريخ، لكنهم ينسون ساعة الزمن. تبحث الأم عن الغدّار، وتجده غارقاً في النوم، وتلمح حركةً في بطنه، فالوطن لا يموت، والولادة الثانية تجري من بطن الشرِّ، فتأمر صغيرها بإحضار عدة الخياطة، وليس عدة القتل والانتقام: الإبرة والخيط والمقص، فلا بد من الصناعة للنهوض من جديد. تشقُّ بطنه بعملية جراحية، وتستعيد أولادها الستة أحياءً من "السجن"، فالأولاد لا يتحملون في الحكايات القتل والموت والفقدان. تخيط بطنه، بعد أن تحشوه بالحجارة، وكنت وأنا أرويها لأطفالي ألطّف الحكاية بذكر كلمات مثل: أعدت الأم المحشي، ووضعت مع الحجارة قليلا من الرز. وكنت أستبدل بالافتراس العناق... كنت أمثل الذئب.
الحكايات التربوية تجعل الجزاء من جنس العمل.
يستيقظ الذئب في صباح الحكاية عَطِشاً، فيجري إلى النهر ليشرب، والبئر في صياغات أخرى، فيعجز عن التحكّم بجسمه الثقيل تحت وطأة سنوات الجمر والحجارة، فيقع في النهر ويموت، وتوتة توتة..
في الواقع، يكون للذئب ابن ينتقم لأبيه بغير خدعة طباشير العروبة، وطحين الاشتراكية، ويستبدل بالطباشير المقاومة والممانعة، أو البحث عن خريطة القدس، أو محاربة الإرهاب الذي تمارسه الخرفان.
وهكذا..
أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر