لا لحرق العلم التركي

20 اغسطس 2022

العلم التركي يرفرف عاليا في إسطنبول (19/7/2022/Getty)

+ الخط -

تصريحات وزير خارجية تركيا مولود جاووش أوغلو، التي أشار فيها إلى لقائه بوزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عرضياً (على الواقف) في لقاء لوزراء خارجية دول عدم الانحياز، ومن ثمّ حديثه عن ضرورة إجراء مصالحة بين المعارضة والنظام السوريين، والتي كان قد سبقها خبر نقلته صحيفة تركية عن طلب روسي من أنقرة لعقد لقاء بين الرئيس التركي أردوغان ورئيس النظام السوري بشّار الأسد، ومن ثمّ الحديث عن إجراء اتصال هاتفي إذا كان اللقاء متعذّراً، ذلك كله أثار عاصفة من الغضب السوري في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال سورية، والمحميّة أساساً من الجيش التركي.
قد يكون مفهوماً ومبرّراً أن تثور ثائرة الشعب السوري على مثل هذه التصريحات أو المواقف أو حتى ربما التوجهات التركية الجديدة، فالشعب السوري، على مدى عقد من ثورته، لم يجد أكثر جدّية في الوقوف إلى جانبه من الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية، وهو علّق الآمال العريضة على الدعم التركي له خلال كلّ تلك الفترة، سياسياً وعسكرياً وإنسانياً وعلى مختلف الصعد، ولم يكن يتوقّع يوماً أن تعيد أنقرة النظر بالعلاقة مع النظام السوري أو تفكّر بتطبيع العلاقة معه وهي التي أحرقت كل المراكب معه على مدار تلك السنوات، حيث بلغت مبلغاً وصفت فيه رئيس النظام بالمجرم وغيرها من الأوصاف.

غير المفهوم أن يلجأ بعضهم إلى إحراق العلم التركي في بعض مدن شمال سورية

وقد يكون مفهوماً أن تكون هناك مواقف وتحرّكات رافضة ومعترضة على هذا التوجّه الجديد لتركيا في تطبيع علاقتها مع النظام في دمشق، ومن حقّ الشعب السوري أن يبدي هذه المواقف والمعارضة، على الرغم من إدراكه أنّ العلاقة مع تركيا هي الرئة الوحيدة التي يتنفّس منها ملايين السوريين، سواء في منطقة الشمال حيث سيطرة الجيش الوطني وفصائل المعارضة، أو اللاجئين داخل الأراضي التركية، وهذا بحدّ ذاته، وبهذه الحدود، يثبت أنّ قرار هذا الشعب والمعارضة التي تقوده قرار حرّ يرفض أن يكون أسيراً لأي طرف داعم. أما غير المفهوم فهو أن يلجأ بعضهم، وربما قد يكونون من المشبوهين أو من الموتورين أو المصطادين بالماء العكر، إلى إحراق العلم التركي في بعض مدن شمال سورية، تعبيرا عن رفض المواقف والتصريحات والتوجّهات التركية.  
ربما لا يعلم من قام بهذا الفعل ما يمثّله ويرمز إليه العلم التركي لدى الأتراك! وهذه مصيبة، إذ أدى الجهل بمآلات الأمور بالثورة السورية إلى ما أدّى إليه من نتائج. وهنا على العقلاء والحكماء من أبناء الشعب السوري أن يأخذوا على أيدي أولئك حتى لا يصبح إحراق العلم التركي ظاهرة عند أيّ تحرّك. وهذا إذا حصل واستمرّ، فإنّه سيجعل الشعب السوري يخسر داعماً أساسياً له، وهي الحكومة التركية الحالية، وسيزيد من حجم الضغط عليها داخل المجتمع التركي، وستكون مضطرّة عندها إلى اتخاذ إجراءات أو مواقف تراعي فيها تأثير تلك الضغوط عليها، وهو حقيقة ما نراقبه ونشاهده في التعامل المستجد مع اللاجئين والتشدّد بذلك من الحكومة في ظلّ موجة التحريض على اللاجئين داخل تركيا.

على العقلاء والحكماء أن يعرفوا وهم يعرفون أنّ الدول ليست كالأشخاص لهم مشاعرهم وعواطفهم

أمّا إذا كان من أحرق العلم يعرف الدلالات والرمزية الكبيرة للعلم عند الأتراك، فإنّه بذلك يريد أن يدقّ إسفيناً بين الشعب السوري والمعارضة من جهة والدولة التركية والشعب التركي من جهة أخرى، حتى يصبح الشعب السوري في وقت لاحق مكشوفاً بشكل كامل أمام النظام، ومتروكاً من أيّ دعم. وهنا أيضاً، على العقلاء والحكماء أن يدركوا حجم خطورة ذلك، وأن يأخذوا على أيدي أولئك، وأن يعملوا على إقناع الحكومة التركية بوجهة نظرهم ما استطاعوا ذلك في مقابل أن يتفهّموا أيضاً حاجات تركيا المرحلية وقدرتها على تحمّل الضغوط ومواجهة المؤامرات وتصدّيها لهذا الكمّ الهائل من الهجومات التي تستهدفها حكومة وشعباً. 
على العقلاء والحكماء أن يعرفوا وهم يعرفون أنّ الدول ليست كالأشخاص لهم مشاعرهم وعواطفهم. الدول مجردّة من المشاعر والعواطف، وتحقيق المصالح ومواجهة التحدّيات هي الأولوية الأساسية بالنسبة لها، والتعامل مع الواقع لا العيش على الأطلال والأمجاد هي طريقتها. وعلى هؤلاء أن يتعاملوا هم أيضاً بواقعية للحفاظ على ما حقّقته الثورة من إنجازات ليست بسيطة، ومراكمة ذلك بما يتيح الحفاظ على الحدّ الأدنى من حقوق الشهداء والجرحى والمفقودين، وإلى أن يحين تحقيق كامل تطلعات الشعب في الكرامة والحريّة وبناء دولة الإنسان، وإلّا فإنّهم سيكونون عرضة لخسارة كل شيء.