كيف يمنع نتنياهو قيام دولة فلسطينية؟
كُتب الكثير عن الاستراتيجية التي يتبنّاها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حيال القضية الفلسطينية والأراضي المحتلة منذ عام 1967، ولكن حين يكون الكاتب أحد كبار المسؤولين الأمنيين السابقين، تغدو للأمر دلالة خاصة، وينبغي توثيقها. وينطبق هذا على الرئيس السابق لجهاز الموساد الإسرائيلي، شبتاي شفيط، الذي توفي الأسبوع الماضي، وكان شغل هذا المنصب بين الأعوام 1989 - 1996، إذ كتب في أواخر مايو/ أيار الفائت مقالًا في صحيفة معاريف يمكن اعتباره منطلقًا لقراءة هذه الاستراتيجية.
يشير شفيط، من بين أمور أخرى، إلى أن غاية استراتيجية نتنياهو هي منع إقامة دولة فلسطينية، ووسيلته إلى تحقيقها كانت ولا تزال تأبيد الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية والانقسام بين حركتي فتح وحماس، من أجل رعاية حكم السلطة الفلسطينية والتعاون الأمني معها، ومعاقبة "حماس" على مواقفها. وبحقّ، التفت إلى الخطاب الذي ألقاه نتنياهو مع بدء ولايته الثانية في رئاسة الحكومة عام 2009، وأعلن فيه تأييده "حلّ الدولتين"، والمعروف باسم "خطاب بار إيلان 1"، فأشار إلى ما أصبح متداولًا، أن هذا الخطاب كان مجرّد تعبير عن تساوق مع الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، الذي دخل إلى البيت الأبيض في 2009، وكان ديمقراطيًا أسود ذا آراء ليبرالية. وفي زيارته الأولى إلى الشرق الأوسط، تجاوز إسرائيل وذهب إلى مصر، حيث ألقى خطابًا في جامعة القاهرة، في 4 يونيو/ حزيران 2009، قال فيه إنه يؤيد حلّ الدولتين للشعبين لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، وشدّد على أن الوضع الذي لا تكون فيه للشعب الفلسطيني دولة لا يُطاق، وأن تطلعات الفلسطينيين للدولة والكرامة شرعية. وبرأي شفيط، فهم نتنياهو أنه سيحتاج لأن يتعايش مع أوباما لولاية واحدة على الأقل، ولا يجوز أن يتحدّاه منذ بداية ولايته، وأنه لا بُدّ أن يجد الوسيلة المُثلى لوأد الموضوع، وهو ما حدث.
لعلّ ما يعطي هذه القراءة أهمية أنها تأتي في فترة اعترف فيها نتنياهو نفسه بما ورد في خلاصاتها، ضمن أول خطابٍ ألقاه بوصفه رئيسًا للمعارضة في الكنيست، لدى تصويت هذا الأخير على منح الثقة إلى الحكومة السابقة، يوم 13/6/2021، واعتبر فيه أن ثمّة تحدّيًا ثانيًا تقف هذه الحكومة أمامه، ولن تفلح في اجتيازه بحسب زعمه، هو الحؤول دون إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وذلك بعد التحدّي الأول المتمثّل في إيران وملفّها النووي. وأكّد أن أكثر ما ينبغي أن يعني سياسة إسرائيل حيال مسألة فلسطين منع قيام دولة فلسطينية تهدّد دولة الاحتلال بأفدح الأخطار، ولفت إلى أن إدارة بايدن الجديدة في واشنطن شرعت في استئناف جهودها الرامية إلى تحقيق هذه الغاية، وهي تُطالب بتجميد الاستيطان في أراضي الضفة الغربية والقدس.
كما أنه في أواخر أغسطس/ آب 2022 وبموازاة إعلان القائد السابق للجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوت دخول المعترك السياسي، نشرت صحيفة هآرتس أنه لدى تسلم الأخير منصبه في فبراير/شباط 2015، طلب منه رئيس الحكومة نتنياهو إعداد مسوّدة لخطّة عمل استراتيجية في الساحة الفلسطينية، عرضها لاحقًا أمام اجتماع خاص بحضور رئيس الحكومة ووزير الدفاع وقادة الجيش والأجهزة الأمنية ومجلس الأمن القومي. وجاء في أول بنود المسوّدة أن "سياسة الحكومة هي دولتان لشعبين"، فقاطعه نتنياهو بنفي ذلك مطلقًا، وأقرّ بأن ما ورد في هذا الشأن في "خطاب بار إيلان 1" هدف إلى الهروب إلى الأمام من الضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية برئاسة أوباما. وحيال ذلك، قال أيزنكوت إنه اقتبس تلك العبارة من أول بنود وثيقة بعنوان "تقدير الموقف القومي لعام 2015" التي كتبها في مطلع ذلك العام مجلس الأمن القومي في ديوان رئاسة الحكومة، وممهورة بتوقيع رئيس هذا المجلس، يوسي كوهين، الذي كان موجودًا في الاجتماع وأقرّ بأنه كتب البند بتوجيه من نتنياهو. فطلب الأخير من كوهين جمع كلّ النسخ من هذه الوثيقة التي أرسلت إلى جهاتٍ عديدة وإبادتها.