كلوب هاوس من الصين إلى السعودية
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
تعتبر السعودية، منذ ميلاد الشبكة العنكبوتية، متصدّرة عالميا وعربيا، فقد تصدّرت التدوين والمنتديات قبل ظهور منصّات التواصل الاجتماعي، وتكاد تكون مختبرا عالميا للتطبيقات والمنصّات، لاتساع عدد المستخدمين وفاعليتهم، فقلّ أن تجد منصةً، سواء يوتيوب أم تويتر، ولا تحتل فيها موقع الصدارة. حتى أن ظاهرة الذباب الإلكتروني تؤكد ذلك، فالسيطرة على المنصّات تطلبت الرد بأعداد مضاعفة، مجنّدة حقيقيا أم روبوتات. لذا لم يكن مستغربا أن يتصدّر المستخدمون السعوديون آخر منصة ظهرت "كلوب هاوس".
ما يخص السعودية يمكن تعميمه عربيا، فهي مجتمع شاب، أكثر من 70% من مواطنيه دون الثلاثين، ويتنشر فيه التعليم وتضيق فيه حرية التعبير. ما يميز السعودية أكثر من غيرها الوضع الاقتصادي الذي نشر الإنترنت بشكل واسع، ومكّن أكثرية الشباب من شراء أجهزة "آي فون" التي يقتصر عليها التطبيق حتى الآن. فوق ذلك، تمكن الشباب السعودي، بفضل التعليم الجيد في الجامعات الغربية، الأميركية خصوصا، والاستخدام الواسع والفعّال، من مواكبة آخر ما يصدر عن السليكون فالي وإعادة تصديره عربيا.
يختلف تطبيق كلوب هاوس عن غيره في عدة مزايا، أوله التوثيق وغياب الذباب الإلكتروني، فلا يمكن التسجيل إلا بناءً على دعوةٍ من مستخدم حقيقي، وعلى رقم هاتف حقيقي. وهو ما شكّل فرصة، بحسب جوش روجين، في "واشنطن بوست"، من التحدّث بـ"صراحة واحترام" وتعلم فن "الاستماع وليس التحدث"، فالجلسة تستمر نحو ساعتين تستمع فيها الأكثرية أكثر مما تتحدّث. يحقق التطبيق، الذي بدأ في ربيع 2020 بـ1500 مستخدم، نموا يصل إلى مليونين أسبوعيا، خصوصا بعد دخول مشاهير عليه، مثل إيلون ماسك، رئيس شركة تيسلا موتورز.
يمكن أن تشكل السعودية مختبرا عربيا للتطبيق، ويمكن أن نرى أنفسنا على الصينيين التي حظرته بلادهم، مع أنها شهدت أوسع انتشار له، إلى درجة أن سعر العضوية فيها بلغ، من خلال شراء كود قبول الإضافة، نحو 70 دولارا، بحسب صحيفة الغارديان. وفي بلد قمعي، شارك الصينيون، للمرة الأولى، بنقاش حول أكثر القضايا حساسية، وهي مأساة الإيغور وقمع المتظاهرين في هونغ كونغ. لم تستمر فرحتهم وحظر التطبيق نهائيا.
كانت تايلاند أحسن حالا، فقد اكتفى الوزير المعني بالاقتصاد الرقمي بتحذير المستحدمين من عواقب التشهير بالمؤسسة الملكية، من خلال الاستماع لمعارض بارز معروف بانتقادها. وتصل عقوبة المسّ بالمؤسسة الملكية في تايلاند إلى السجن 15 عاما.
من الأفضل للعرب أن يقدّموا نموذجا للعالم غير الصين وتايلاند، فلا يحظرون ولا يهدّدون. لا توجد جريمة رأي، سواء كان الرأي في ناد حقيقي أو نقابة أو حزب أو صحيفة أو منصّة تواصل. توجد جرائم كراهية وإرهاب وقذف وتشهير، سواء قيلت في الجامعة أم المقهى أم المسجد، فمن يحرّض على القتل، سواء استهدف عرقا أو طائفة أو حزبا سياسيا، مجرم، سواء تحدث في إذاعة أم "كلوب هاوس". لنتذكّر أنه تم التحريض لارتكاب مجازر رواندا المروّعة من الإذاعة، لا من منصّات التواصل.
يعبر انتشار "كلوب هاوس" عريبا وصينيا عن جوع حقيقي لحرية التعبير، في ظل غياب الفضاء العام الحقيقي، من صحافة حرة وأحزاب ونقابات ومجتمع مدني ومجالس بلدية ونيابية، وهو من المفروض أنه مكمل للفضاء العام الحقيقي، وليس بديلا له. المأمول أن ينتقل "كلوب هاوس" إلى الواقع، فنشهد مجتمعات حية حقيقية، تحترم الاختلاف والتنوع، وتُحسن الاستماع لبعضها. تماما كما يدعو الخطيب كل جمعة "اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه".
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.