قبل صافرة البداية: هنا المونديال
بعد ساعات ستنطلق صافرة بداية المباراة الأولى في المونديال الحلم بالدوحة، بمجرّد الانتهاء من فقرات حفل الافتتاح. عندها سوف تتوقف ماكينات الثرثرة العنصرية والابتزاز السياسي، لتفرض كرة القدم نفسها على الجميع. سوف ينقشع غبار حملات الاستعلاء والغطرسة، بل بالأحرى سوف يرتدّ في العيون الوقحة التي حرّضت طوال شهور ضد قطر، وهي ترى كيف أنّ دولة عربية تُذهل العالم بنسخة شديدة التميّز من أعظم حدث رياضي.
من دون مبالغة، ومن واقع زيارات لأعظم ملاعب كرة القدم في العالم، يمكن القول إنّ لدى قطر بنية أساسية رياضية تتفوّق على أعظم "استادات" كرة القدم في أوروبا، والأهم أنّ لديها بيئة مثالية للعبة الأولى والأشهر، وهي البيئة التي اختبرها العالم في مناسباتٍ عدّة خلال العامين الماضيين، مثل بطولة العالم للأندية أبطال القارات، والمونديال العربي.
لم أجد كلامًا في الرياضة وكرة القدم في زحام العنصرية المحرّضة ضد مونديال قطر، ذلك أنّ مطلقي هذه الحملات السخيفة يتجنّبون الحديث في كلّ ما له علاقة بالرياضة والكرة، إدراكًا منهم بأنّ كلّ شيء ذو صلة بجوهر الحدث على ما يرام.
القصة وما فيها، هي كيف يتجرّأ بلد عربي ويحطّم التصوّرات الاستعلائية المعلبة ويطيح التابوهات الثقافية المغلقة على أفكار وصور نمطية من إنتاج عقلية عنصرية لا تريد أن ترى العالم خارجها كما هو، وليس كما تحب أن تراه. وفي سبيل ذلك، لا تخجل هذه العقلية المبتزّة من تناقضاتها وتضارب أفعالها وأقوالها، وهنا تصلح حالة الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جوزيف سيب بلاتر، نموذجًا صارخًا، فالرجل كان فخورًا حتى أشهر قليلة مضت بأنه كان رئيس "فيفا"، عندما أعلن فوز قطر بتنظيم كأس العالم، بعد التصويت للملف الخاص بها في 9 يونيو/ حزيران 2010 ، والذي مثل ثورة حقيقية على النظام العالمي الكروي القديم. وفي ذلك الوقت، ومع تدشين حملات الهجوم العنصري على قرار "فيفا"، تحدّث بلاتر معبّرًا عن استيائه من الهجوم الكبير الذي يتعرّض له الاتحاد الدولي بسبب إعطائه تنظيم كأس العالم 2022 لقطر، مشدّدًا على أنّ أساس هذا الهجوم عنصري فقط، حيث قال نصًّا: "مرّة أخرى، هناك عاصفة ضد الاتحاد الدولي بسبب قطر وكأس العالم، للأسف هناك كثير من التمييز والعنصرية في الأمر، وهذا الموضوع يؤلمني".
مرّت 11 عاما على هذا التصريح الذي لم يضرب أحد بلاتر على يده لكي يدلي به، ليعود قبل أيام من انطلاق مونديال 2022 في الدوحة، ويتحدّث كما لو أنّ أحدًا ضربه على رأسه فراح يثرثر بكلماتٍ ومواقف عكس كلّ ما كان يؤمن به ويدافع عنه، ليكتشف فجأة أنّ قرار منح قطر حق استضافة بطولة كأس العالم كان "خطأ"، إذ يهرف في تصريحات لصحيفة سويسرية بأن قطر "بلد صغير للغاية".
تثير هذه التصريحات المضحكة الشفقة على هؤلاء المسكونين بلوثة الاستعلاء ممن لا يطيقون أن يروا تفوّقًا عربيًا في أيّ مجال، لكن ذلك كله سوف يتلاشى مع ركلة البداية في المباراة الافتتاحية وسط بيئة تحبّ كرة القدم، وتعرف حجم التحدّي الذي تواجهه، وتثق في قدراتها التي يراها كلّ صاحب عقل وضمير سليم من رياضيين عالميين عرفوا، عن تجربة، أنّ الدوحة مؤهلة لأن تكون العاصمة العربية لكرة القدم العالمية في 2022، وهو ما يُشعر كلّ إنسان عربي بالفخر.