16 نوفمبر 2024
قبل الوساطة الكويتية
ثمّة لونٌ خاص من "النأي بالنفس"، تُمارسه واشنطن بشأن الأزمة الصعبة في الخليج، يقوم على الاكتفاء بإطلاق تصريحاتٍ وتلاوة بياناتٍ وشنّ "تغريدات"، لا يتفق بعضُها مع بعضها، وشيء منها ذو سمتٍ إنساني، إذ يحسُن "تخفيف" الحصار على قطر، خصوصا وأنه تم فرضُه في شهر رمضان، على ما قال وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، الذي ذكّر مجيئُه على معاناة أسر خليجيةٍ المنامة والرياض وأبوظبي أن إجراءاتها أحدثت أضرارا اجتماعيةً غير هيّنة بهذه الأسر، ذات أواصر النسب والمصاهرة مع أشقائهم القطريين، فأعلنت العواصم الثلاث، عقب هذه الانتباهة من الوزير الأميركي، أخذ هذا الأمر بالاعتبار في إجراءات طرد القطريين ومنع السعوديين والبحرينيين والإماراتيين من البقاء في قطر أو زيارتها. وبالإضافة إلى مداخلات من البنتاغون عن بقاء الحال على ما هو عليه بشأن قاعدة أميركية في قطر، فإن "الدخول" الأميركي على خط الأزمة يُرابط، حتى اللحظة، في هذه الحدود، فلم تتم ترتيباتٌ لزيارتين لوزيري الخارجية، القطري والسعودي، إلى واشنطن، ولم يتم إعلانٌ عن إيفاد مبعوثٍ أميركي إلى الدوحة وجاراتها، لاستكشاف خريطة حل لهذه الأزمة التي لا تستبعد أنقرة أن تصبح دولية، على ما قال بنعلي يلدريم، وهي الأزمة التي ينبغي حلها قبل انتهاء رمضان، على ما يستعجل أردوغان. يكتفي الأميركيون بهذه الحدود، ويدعمون الوساطة الكويتية، ما يعني أنهم غير متحمسين لوساطة يُبادرون إليها، أقله في هذه المرحلة.
تبدو أوروبا، بقطبيْها ألمانيا وفرنسا، ومعهما روسيا، أكثر شعورا بحساسية الوضع، وأكثر وضوحا، وأقدر على التوازن، وعلى تعيين المسؤوليات تجاه من أشعل الأزمة، غير أنهم أيضا، يكتفون بالاتصالات، من دون التقدّم بتصورٍ لمبادرة أو تحركٍ دبلوماسي ينشط بين عواصم هذه الأزمة التي يخيفنا بشأنها وزير خارجية ألمانيا، عندما يقول إن ثمّة خطراً من أن تقود إلى حرب، ثم يستدرك بأن هناك فرصة لتدارك الأمر، من دون تعيينها، وهو الذي كان قد أعلن عن دعم بلاده الوساطة الكويتية.
لا مدعاة للحديث عن جهودٍ عربية، فالبؤس الذي ترفل فيه جامعة الدول العربية يجعل انتظار شيء من أحمد أبو الغيط أمرا أقرب إلى الفكاهة. أما رئاسة القمة العربية، فقد بادرت إلى استعجال سفير قطر في عمّان بالمغادرة مع تخفيض مستوى العلاقات، وإغلاق مكتب "الجزيرة". وفي الأصل، لم يكن هناك أي رهانٍ على عمّان أو جامعة أبو الغيط، ولا أمل في إحياء تلك الأيام التي كان فيها مبعوثو الملك الحسن الثاني يحاولون حلا هنا وهناك، وكذا الأيام التي كانت فيها الدبلوماسية الجزائرية طموحةً بالمساعدة على وقف الحرب العراقية الإيرانية وحل أزمة الرهائن الأميركيين في طهران.
لا شيء قدّامنا سوى الوساطة الكويتية، المحبّذة أميركيا، والمدعومة روسيا وأوروبيا، والتي تتجاوب معها الدوحة بانفتاحٍ كبير، ويُؤمل منها أن تنشّط "عمليةً سياسية" تأخذ وقتها، (إلى ما بعد العيد على الأرجح، ما لا يناسب أردوغان)، وأن تجد المداخلَ الممكنة للتفاهمات المشتهاة. وعندما يقول وزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح خالد الصباح، إن الأشقاء في قطر على استعداد لتفهّم حقيقة هواجس أشقائهم ومشاغلهم. وعندما يقول وزير الخارجية القطري، الشيخ عبد الرحمن بن محمد آل ثاني، إن بلاده لن تتفاوض إلا على ما يتعلق بالأمن الجماعي لمجلس التعاون، فذلك يعني أننا دخلنا في "كباش" بشأن إطار الحوار الذي تتوخاه البادرة الكويتية، أو أن الأمور صارت على مشارف تلمّس معالم أجندة الجدل المرتقب بين الدوحة ومقاطعيها في جاراتها الثلاث. ويمكن، هنا، إضافة أن شعوراً، مضمراً، وظاهراً ربما إلى حد ما، لدى الكويت بأن انتهاء الأزمة بـ"استسلام" قطر لشروط مسبقة، وتنفيذها مطالب غير منطقية، يعني أنها (الكويت) ستكون في مرمى شروط ومطالب مماثلة، ذات يوم، من الرياض وأبوظبي. وسيساهم هذا الشعور في خفض سقوف الفوقيّة السعودية والإماراتية في منازلة الدوحة.
أيا يكن الحال، بانتظار أن يعرف "مغرّد واشنطن" وفريقُه أن الذي يحدث في الخليج خَطرٌ وبالغ الحساسية، وأن مكالمة تيلرسون مع سيرغي لافروف ليست خريطة طريق إلى الحل، فإن الآمال معقودةٌ على زخمٍ تشهده الوساطة الكويتية في الأيام المقبلة، إذا ما تظللت بتغطيةٍ دولية، أوروبية وتركية وروسية، وليس للمواطن العربي، في أي مطرح، سوى أن يتأمل الخير والبشرى من الكويت.
تبدو أوروبا، بقطبيْها ألمانيا وفرنسا، ومعهما روسيا، أكثر شعورا بحساسية الوضع، وأكثر وضوحا، وأقدر على التوازن، وعلى تعيين المسؤوليات تجاه من أشعل الأزمة، غير أنهم أيضا، يكتفون بالاتصالات، من دون التقدّم بتصورٍ لمبادرة أو تحركٍ دبلوماسي ينشط بين عواصم هذه الأزمة التي يخيفنا بشأنها وزير خارجية ألمانيا، عندما يقول إن ثمّة خطراً من أن تقود إلى حرب، ثم يستدرك بأن هناك فرصة لتدارك الأمر، من دون تعيينها، وهو الذي كان قد أعلن عن دعم بلاده الوساطة الكويتية.
لا مدعاة للحديث عن جهودٍ عربية، فالبؤس الذي ترفل فيه جامعة الدول العربية يجعل انتظار شيء من أحمد أبو الغيط أمرا أقرب إلى الفكاهة. أما رئاسة القمة العربية، فقد بادرت إلى استعجال سفير قطر في عمّان بالمغادرة مع تخفيض مستوى العلاقات، وإغلاق مكتب "الجزيرة". وفي الأصل، لم يكن هناك أي رهانٍ على عمّان أو جامعة أبو الغيط، ولا أمل في إحياء تلك الأيام التي كان فيها مبعوثو الملك الحسن الثاني يحاولون حلا هنا وهناك، وكذا الأيام التي كانت فيها الدبلوماسية الجزائرية طموحةً بالمساعدة على وقف الحرب العراقية الإيرانية وحل أزمة الرهائن الأميركيين في طهران.
لا شيء قدّامنا سوى الوساطة الكويتية، المحبّذة أميركيا، والمدعومة روسيا وأوروبيا، والتي تتجاوب معها الدوحة بانفتاحٍ كبير، ويُؤمل منها أن تنشّط "عمليةً سياسية" تأخذ وقتها، (إلى ما بعد العيد على الأرجح، ما لا يناسب أردوغان)، وأن تجد المداخلَ الممكنة للتفاهمات المشتهاة. وعندما يقول وزير الخارجية الكويتي، الشيخ صباح خالد الصباح، إن الأشقاء في قطر على استعداد لتفهّم حقيقة هواجس أشقائهم ومشاغلهم. وعندما يقول وزير الخارجية القطري، الشيخ عبد الرحمن بن محمد آل ثاني، إن بلاده لن تتفاوض إلا على ما يتعلق بالأمن الجماعي لمجلس التعاون، فذلك يعني أننا دخلنا في "كباش" بشأن إطار الحوار الذي تتوخاه البادرة الكويتية، أو أن الأمور صارت على مشارف تلمّس معالم أجندة الجدل المرتقب بين الدوحة ومقاطعيها في جاراتها الثلاث. ويمكن، هنا، إضافة أن شعوراً، مضمراً، وظاهراً ربما إلى حد ما، لدى الكويت بأن انتهاء الأزمة بـ"استسلام" قطر لشروط مسبقة، وتنفيذها مطالب غير منطقية، يعني أنها (الكويت) ستكون في مرمى شروط ومطالب مماثلة، ذات يوم، من الرياض وأبوظبي. وسيساهم هذا الشعور في خفض سقوف الفوقيّة السعودية والإماراتية في منازلة الدوحة.
أيا يكن الحال، بانتظار أن يعرف "مغرّد واشنطن" وفريقُه أن الذي يحدث في الخليج خَطرٌ وبالغ الحساسية، وأن مكالمة تيلرسون مع سيرغي لافروف ليست خريطة طريق إلى الحل، فإن الآمال معقودةٌ على زخمٍ تشهده الوساطة الكويتية في الأيام المقبلة، إذا ما تظللت بتغطيةٍ دولية، أوروبية وتركية وروسية، وليس للمواطن العربي، في أي مطرح، سوى أن يتأمل الخير والبشرى من الكويت.