في مسألة وزير الثقافة العراقي

11 سبتمبر 2014

وزراء الحكومة العراقية ورئيسها (8 سبتمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

يستهجن مثقفٌ عراقي معروف تعيين وزيرٍ كردي للثقافة في الحكومة الجديدة في بلاده، ويسأل ما إذا كانت "مديرية الثقافة الكردية" في الوزارة ستُلغى، لتحلّ محلها "مديرية الثقافة العربية". ونقرأ أن الوزير، فرياد راوندوزي، من الاتحاد الكردستاني، كاتب وصحافي ومثقف رفيع، وشديد الاهتمام بالثقافة واللغة العربيتين. وإذ يؤشر المثقف الصديق، في استهجانه، إلى أن العراق عربي، واقعاً وتاريخاً وثقافةً، فإن استهجاناً مضاداً يمكن سوقُه، في سجالٍ من هذا النوع، لاعتبار عروبة العراق مسوِّغاً لاستبعاد مواطنيه من غير العرب عن مواقع مسؤوليةٍ عليا في وطنهم، تتصل بتسيير (أو تدبير بلغة المغاربة) شؤون التربية والتعليم والثقافة والفنون. ومع التحفّظ اللازم على صيغة المحاصصة المقيتة لتوزيع مناصب الحكم في العراق بعد الغزو الأميركي، ومع التأكيد على حق العراقيِّ، أيّاً كان مذهبه ودينه وعرقه، في تولّي أي موقع قيادي في بلده، فإن الأوجب أن يكون محلّ الاعتراض منسوبُ الكفاءة لدى هذا المواطن العراقي، وقدرته، في مثل هذه المسؤولية. وأن يكون جلال الطالباني وخلفه فؤاد معصوم، وهما العراقيان الكرديان، رئيسين للجمهورية العراقية، على التوالي، ليس موضع المشكلة، إذا كانت ذهنياتنا ديمقراطيةً فعلاً، وكنا، حقاً، مسلحين بثقافةٍ وطنيةٍ خالصة، وإنما المشكلة في أرشيفَي طالباني ومعصوم، ما إذا كانا يدلان على عراقيةٍ لديهما عابرةٍ للإثنيات والطوائف أم لا. وصدوراً عن هذا الأمر، لم تكن القضية مع سيء الصيت، نوري المالكي، مذهبه، بل مسلكه السياسي والأمني البغيض إيّاه.
تبدو "العظة" هذه مدرسيةً، لكن التشديد عليها، في اعتبارٍ آخر، ضروري بشأن العراق الذي، إن قلنا صدقاً إن الاحتلال الأميركي، ممثلاً ببول بريمر، مَن أرسى في هذا البلد مطارح للنزوعات المذهبية والعرقية إياها، فمن الأهمية الملحّة أن يُشار إلى مسؤولية "البعث"، في نسخته الصدامية، عن مقادير ليست هيّنة عن هذا الحال. وإذ في البال أن نتاج شاعرٍ عراقيٍّ كبير، هو الراحل بلند الحيدري، الكردي الأرومة، بالغ الحذاقة في لغةٍ عربيةٍ رائقة، وكان الرجل خبيراً بأسرارها، وبالثقافة العربية وأصولها. وهذا الشاعر والروائي، السوري الكردي، سليم بركات، يبلغ صنيعه السردي والشعري بالعربية مرتبة باهرة. ولأن الشيء بالشيء يذكر، حدث في زمن ما قبل حكم آل الأسد في سورية أن وزيراً للصحة، مسيحياً، تولّى مسؤولية وزارة الأوقاف، في ظرفٍ خاص. ويمكن الإحالة، في المسألة الثقافية، إلى أن الشاعر الأشهر، أحمد شوقي، كردي المحتد، وأن المفكر المغربي، محمد عابد الجابري، أمازيغي المنبت، وهو الذي كعبه عالٍ في دراسة الثقافة العربية.
يعرف الكاتب العراقي، ماجد السامرائي، هذا كله، لكنه إذ أشهر استهجانه ذاك، المعقّب عليه هنا، إنما أَراد، على الأغلب، التأشير إلى تجربةٍ غير محمودة للحكم، عموماً، في العراق، حين يقوم على نمط من التقاسم البائس في محاصصاتٍ رديئة. قد يبدو هذا مفهوماً إلى حد ما، لكنه لا يعني تبرير خصومةٍ مستعجلةٍ ومبكرةٍ مع وزير الثقافة الجديد، لكرديته، ولا سيما أن سلفيه العربيين، في الوزارة نفسها، لم يأتيا بالذئب من ذيله، ويحققا للثقافة في العراق الحضور المشتهى والفاعلية المأمولة. أما أن يعمد الشاعر، الذي رأى مرّة الشعوب العربية دجاجاً، سعدي يوسف، إلى مهاجمة فرياد راوندوزي، لا لشيء إلا لأنه "شخص كردي مجهول في بلد ذي ثقافة عربية عريقة"، فذلك، لعمري، مبعث شفقة كثيرة على صاحب تجربةٍ شعريةٍ متفرّدة، حين يعمى عن البديهي، ويذهب إلى العنصري، ولا شيء غيره، بفوقيّةٍ تافهة، والبديهي أن ينتظر هجّاء الثورات السورية والتونسية والمصرية من الوزير الجديد ما سيقوم به وما سيبادر إليه، ثم يسائله ويهاجمه وينتقده.
ما كتبه ماجد السامرائي، باعتدالٍ ما، وما جهر به سعدي يوسف، بتطرفٍ معلن، عيّنتان على أسئلة راهنٍ عراقي، يقيم في القاع.

 

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.