في العلاقات الروسية الإسرائيلية
قدّمت إسرائيل، منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تعاطفاً إعلامياً مع أوكرانيا، واقتصر الدعم المادي على مساعدات إنسانية صرفة، وحرصت على أن تبقى في منأى عن تقديم دعم عسكري مباشر. ورغم تأكيد الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، عبر شاشات الكنيست، أنه يهودي، فإن الجبهة السورية كانت أكثر حضوراً بالنسبة لإسرائيل من جبهة أوكرانيا، واهتمت بأن تستمرّ التغطية الروسية لهجماتها على مواقع إيرانية في العمق السوري، فهذه التغطية بالنسبة لها تفوق يهودية زيلينسكي أهمية، وذلك في سياسة براغماتية طالما اتبعتها إسرائيل في كثير من مواقفها. ورغم أن الرئيس الأوكراني استخدم خطاباً عاطفياً، وذكَّر أعضاء الكنيست والحكومة الإسرائيلية بأن أصول رئيسة وزرائهم (قبل عقود) غولدا مائير تعود إلى كييف، كما ذكّر إسرائيل بهولوكوست الرصاص الذي تعرّض له اليهود في أوكرانيا، وأقام مقارنة بين مصير اليهود بالأمس ومصير الأوكرانيين اليوم. ولكن هذا الطرح لم يلقَ الصدى المطلوب في إسرائيل، بل وقف هناك من قال إن أوكرانيين كثيرين كانوا قد ساعدوا هتلر بقتل اليهود في أوكرانيا. واستفظع إسرائيليون كثيرون مقارنة إبادة اليهود في أوكرانيا بحرب روسيا اليوم، فبالنسبة لهم لا يمكن أن يعيد التاريخ فظاعة كالتي لقيها اليهود في الحرب العالمية الثانية. وكانت هذه حجّة لإسرائيل ومبرراً لتبقى في موقف المراقب للحرب الأوكرانية، ولتبقى على علاقةٍ حميمةٍ مع روسيا التي تُفسح لها الأجواء السورية مجاناً وبطريقة آمنة كلياً.
تحوّلت الحرب في أوكرانيا إلى مواجهة متاريس، بعد أن ثبتت خطوط الجبهة بشكل كبير، وأصبحت الحاجة إلى المدفعية ماسّة لدى الطرفين، فالتراشق المدفعي هو السمة المميزة لحرب الجبهات الثابتة، وبدأت بذلك مصادر الذخائر الأوكرانية تنضب، فاضطرّت أميركا، حتى تبقي المعركة مستمرّة، للاستعانة بمستودعات أسلحة تحتفظ بها في إسرائيل، وشحنت بالفعل في أواخر الشهر الماضي (يناير/ كانون الثاني) ذخائر من ذلك المخزون إلى أوكرانيا، بعد أن وافق رئيس الوزراء السابق، يائير لبيد، على ذلك، معتبراً أن المخازن تخصّ الجيش الأميركي، وهو حرّ بالتصرف بها، محاولاً أن يحتفظ بالموقف نفسه البعيد عن دعم طرف بعينه، ومحاولاً التأكيد لروسيا أن قرار شحن الذخائر يقع خارج معادلة الحرب في سورية. لم تعلق روسيا في حينها على القرار، واختارت أن تصمت، ما يعني قبول الحجّة الإسرائيلية، فقامت إسرائيل بهجوم جوي على قافلة إيرانية في شمال سورية، قد يكون، على سبيل اختبار لردة الفعل الروسية، وجرى تنفيذ الهجوم بنجاح.
لم تكن إسرائيل، غير الرسمية، سعيدة بهذا القرار، وظهرت امتعاضات عبر وسائل إعلامها على نقل هذه الذخائر الموجودة في إسرائيل منذ عام 1973 عقب حرب تشرين، تحت عناوين عديدة، منها احتياطيات الجيش الأميركي. ولكن يمكن للجيش الإسرائيلي أن يستخدمها في حالة الحاجة، وقد لجأت إسرائيل بالفعل إلى هذه الاحتياطيات في حرب تموز 2006 مع حزب الله، كما سحب منها الجيش الإسرائيلي في حربه مع غزة عام 2014، وهي تمتعض حالياً لتفريغ هذا المخزون، بسبب ما تعتبره جهات إسرائيلية تقليل مستوى الأمن الإسرائيلي، في وقتٍ قد تكون إسرائيل في حاجة ماسّة إليه، بينما تبدي إيران تحرّكات كثيرة، بعد أن ضمنت "موت" الملفّ النووي حالياً، وهي تعود إلى إنعاش قدراتها النووية، الأمر الذي يدعو إسرائيل إلى أن تبقى مستعدّة لأي تغيير، وهو ما يجعل وجود مخازن أسلحة ممتلئة حاجة أولية لها.
كل ما يجري لا يخلخل العلاقة الروسية الإسرائيلية، فالحاجة الإسرائيلية للعلاقة تقابلها حاجة روسية، ولا يمكن أخذ تصريح نتنياهو عن تفكيره في تقديم مساعدةٍ عسكريةٍ بجدّيةٍ كبيرةٍ لأوكرانيا أنه يهدّد العلاقة الروسية الإسرائيلية كثيراً، خصوصاً أنه قال، في التصريح نفسه، إنه مستعدٌّ للوساطة في الصراع، فخيارات المساعدة العسكرية التي يتحدّث عنها نتنياهو واسعة، ولا يرجّح أن يكون من ضمنها توريد أسلحة إسرائيلية أو حتى ذخائر.