في ارتدادات الإسلاموفوبيا

07 اغسطس 2023
+ الخط -

ليست الإساءة للإسلام وللمسلمين جديدة، ولا هي وليدة السنوات القليلة الماضية، فالإساءات إلى الأديان، وللمسلمين خصوصاً، قائمة ومستمرة منذ عقود، بل منذ قرون. ولذلك أسباب تاريخية ودواع مرتبطة بأزمانها. لكن المثير للفضول في تكرار ازدراء الأديان واستمراره أنه ينحصر في الإسلام. ولا بد أن لهذا بواعثه التي على الجميع النظر فيها، سواء الغرب والمتطرفين هناك، أو المسلمين أنفسهم. ويستتبع هذا سؤالاً لا يقلّ أهمية، هل المشكلة في السرديات الموروثة عن الإسلام؟ أم في أتباعه وسلوكياتهم التي قد تقترب أو تبتعد عن حقيقة الدين وتعاليمه؟
قد يقول بعضهم إن الشجرة المثمرة هي التي يقذفها الناس بالحجارة، وهذا منطق مسلمين كثيرين يعتبرون أن التعدّي على المسلمين، أو الإساءة إلى رموز إسلامية، ليس إلا تعبيراً عن العجز أمام انتشاره دينا وتسلل أفكاره بسرعة وسهولة إلى عقول غير المسلمين وقلوبهم، أي أن الإساءة ردّ فعل عكسي لعدم القدرة على مواجهته. ربما كانت هناك بعض الصحة في هذا المنطق، لكنه بالتأكيد ليس التفسير الوحيد أو السليم لما يجري في الغرب من تعسّف واستهداف يصل إلى حد الاضطهاد والعنصرية ضد المسلمين بين حين وآخر. وفي ذلك مفارقة تستحقّ الدراسة، فدائماً تظهر تلك العنصرية ضد الإسلام تحديداً في مجتمعاتٍ تجسّد أعلى درجات التحضّر وتنعم بحياة مرفهة، ولا تعاني من مشكلات فكرية أو عقائدية. كما أن المسلمين هناك حريصون على تجنّب أي سلوكيات قد تثير حفيظة أي فئة أو طائفة أو أصحاب أي توجّه، ديني أو لاديني. ولو كانت تلك الأحداث المسيئة للإسلام تقع في أفريقيا، حيث توجد بالفعل حملات تدعو إلى الإسلام، لكان الأمر منطقياً ومفهوماً، خصوصاً في ظل سيادة القبلية والعقائد التقليدية وغلبة التعصّب الأفريقي للون والعرق والتوجّس من الغرباء.
من النقاط الغامضة التي تحتاج أيضاً مواجهة صريحة ومباشرة من الدول والمجتمعات الغربية، لماذا يجرى تطبيق كل المبادئ العلمانية والأفكار الليبرالية القح بشكل كامل ومطلق على الإسلام والمسلمين فقط؟ فالصليب مثلاً يعدّ رمزاً دينياً وترتديه الفتيات والسيدات في العمل أو أماكن التعليم بكل أريحية، بل لا تثير القلنسوة اليهودية أي ردود فعل في مجتمعات غربية كثيرة، رغم أنها رمز ديني بامتياز. أما الحجاب فرغم أنه مجرّد غطاء للرأس، ومن الحرية الشخصية في اختيار الملابس، إلا أنه وحده يعدّ رمزاً دينياً، وبالتالي يجرى تجريمه.
ربما يكمن في "الإسلاموفوبيا" تفسير هذا الاستهداف المزمن، فعقدة الخوف من الإسلام تطوّرت من خشية من الإرهاب والمتطرّفين إلى الخوف من كل ما هو مسلم، شخصاً كان أو رمزاً. ثم تحوّل الخوف إلى اضطهاد وعدوانية تلقائية غير مُسببة. ومما يرجّح هذا التفسير أن الجاليات المسلمة لا تنجح في الاندماج مع المجتمعات الغربية إلا بقدر ما تقترب من قيم تلك المجتمعات وثقافتها، وتبتعد عن الرموز المرتبطة بالإسلام وطقوسه الظاهرية.
وللأسف، لم يبذل المفكرون المسلمون ولا العرب جهداً كافياً لتحليل تطورات تلك الظاهرة وفهمها، فضلاً عن تقديم حلول وتوصيات عملية لمواجهتها. ولمّا كان المؤكّد أن ثمة أسباباً تجعل من الغرب تحديداً بيئةً مؤاتيةً لاستفزاز المسلمين بصفة خاصة، على كل من الغرب والمسلمين تحرّي تلك الأسباب، وإلا فكما تطوّرت المخاوف من الإسلام والمسلمين إلى إساءات رمزية متكرّرة، فقد تتطوّر هي أيضاً إلى أعمال عنف حقيقية أو إجراءات رسمية عنصرية ضد المسلمين. وحينئذ، سيصير الموقف مفتوحاً على كل الاحتمالات، وستتعاظم فرص الصدام ليس بين الحضارات، وإنما بين الشعوب، بل ربما داخل المجتمعات الغربية نفسها.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.