فضيلة بشار الأسد اليتيمة والمحروقة الوالدين
أعذر جميع المكوّعين الأفاضل والأماجد، حتى الذين ركعوا للنظام مثل زوج حسناء الشاشة السورية، الذي قال ردّاً على شعار "الشعب يريد إسقاط النظام": مال بعضهم ميلان الماء في مجراه، وكتب بعض الشجعان: لتكن الجمعة المقبلة جمعة الحياة المدنية. هذا كسر قد يتسبب بحوادث مهلكة على الطريق الدولي. وخرج من يقول مازحاً: لتكن جمعة إسقاط النظام، الذي لم يولد بعد. مات الملك عاش الملك.
منذ سقوط الطاغية الذي "لا تستطيع الملائكة إسقاطه" كما قال شريف شحادة يوماً، وأنا لا أصدّق حتى الآن سقوطه، وأنا أقول لأهلي وأصحابي وخلاني: اقرصوني، اطعنوني بالسكاكين، احرقوني بالجمر، حتى أصدّق أني في علم ولست في حلم.
تابعت بعضاً من إعلاميي المقاومة والممانعة، وهم يحثّون مواليهم وأشياعهم على الصبر، قائلين: حلب لم تسقط، إنما هو كمين، وتموضع، وحماة ستكون لهم "بالمرصادِ"، ثم قالوا: حمص عاصمة الموالين الأقوياء، ثم قالوا الشام، ثم علا هتاف الله أكبر: أعطينا مفاتيح الشام، وهرب "فشار" الأسد، الذي انتصر على 83 دولة، وانهزم أمام مقاتلين على درّاجات نارية، ترعرعوا في الخيام، فألقى سحرة الكلام عصيّهم وأقلامهم، وهم يحاولون تبرير ما وقع من هزائم، يندى لها أخمص قدم الإنسانية، ويشهدون فرار قائدهم صاحب الرقبة السحرية، بطل محور المقاومة والممانعة، فوجدوا له فضيلة وحيدة بعد ضرب الأخماس بالأسداس بالخلاط، وهي أنه تنحّى عن الحكم خوفاً من أنهار الدماء، لقد ظهر لهم أن قائدهم رؤوف رحيم بالإرهابيين والتكفيريين وخجولٌ وزاهدٌ في السلطة!
وقالوا: يكفيه فخراً أنه لم يطبع مع الصهاينة! لن نذكر حلفه مع إيران وانتظامه في محور المقاومة، سنذكر ضرب إسرائيل كل أسلحته وعتاده حال فراره، حتى لا تقع في أيدي الأعداء.
لم تُفتح دمشق إلا بعد 13 سنة من الدماء، أو بعد 44 سنة من الدماء، وما الـ11 يوماً التي هزّت العالم إلا قصّ شريط النظام الحريري، وبذلت فيها دماء، وصاحب الرقبة، أطال الله عمره، لم يعلن التنحّي، وكل الشهادات القريبة تقول إنه هرب، بل لاذ بالفرار، بل ولّى الأدبار، ولّى يوم الزحف من غير كلمة وداع، وأخذ معه كل المتاع، ونسي صوره الشخصية بالثياب الداخلية، فسقط في أيدي مناصريه وعبيده، وذُهلوا من خيانته. ولم يكونوا يريدون سوى كلمة مواساة، كأن يقول: فكّة كعب وأعود، أو أنا ذاهب إلى السرداب، أو أني فعلتُ ما في وسعي، أو أني سأموتُ على تراب سورية، كما قال حسني مبارك في مصر، أو يقول مثل معمّر القذافي: زنقة زنقة، بل لم يبلغ منزلة زين العابدين، الذي لجأ إلى بلاد الحرميْن... لقد ولّى المعفن إلى بلاد الصقالبة.
ولّى الأدبار من غير كلمة، لو قال سأموت دفاعاً عن مُلكي، أو عن وطني، أو عن ميراث أبي، أو عن قبر أبي، الذي تحوّل إلى مبولة غير عامة، لو قال: سأموت كما مات آلاف "الشهداء" من أتباعي، لكنه فرّ كالدجاجة، على طائرةٍ غير زلاجة.
شكراً لك، يا بشّار، فهذه نهاية لا يمكن إعادة إنتاجها، لا يمكن عمل جزء ثان لها كما في الأفلام الناجحة، التي تغري المنتج بإحياء الموتى وعمل جزء ثان لأسباب ربحية تجارية، وقد أعلن عن جزء ثان لفيلم "حرارة"، سيبعث فيه روبرت دينيرو على الأغلب حيّاً. ويمكن ذكر أعمال فنية عربية، مثل عودة حلاق باب الحارة إلى الحياة من الموت، الأحد عشري، الأبد لن يكون له جزء ثان.
من طباع الشعوب الحنين إلى الماضي، لكن السوريين لن يحنّوا إلى عهد الأسديْن، لن يقولوا: ولا يوم من أيامك يا حافظ أو يا بشار، فمهما بلغ النظام القادم من السوء، لن يبلغ عتبة الدناءة والحقارة والسفالة التي بلغ بها آل الأسد منها النهاية والغاية، وإنَّ للفار فضيلة، لا تبلغ شأو فضيلة فرعون، الذي قال عند غرقه: آمنتُ بربّ موسى وهارون. لصاحب المكبس والمقابر الجماعية بشار "الأسيد"، فضيلة وحيدة، أنه هرب من غير تكويع أو انعطاف "ون وي تيكيت"، وسيموت على ما عاش عليه.
... لقد صدّق نفسه، وما بدّل تبديلا.