فضيلة الجنرال ينقلب على سما المصري

01 مايو 2020
+ الخط -
أيهما أكثر فضائحية، أن تظهر طالبة في جامعة القاهرة على صفحتها الشخصية في موقع للتواصل الاجتماعي في استعراض سخيف لمواهبها، أم ظهور رئيس الجامعة، شخصيًا، في موقع عام، ساحة الحرم الجامعي، ليستعرض قائمة الرشى والمغريات المقدمة للطلاب، في حالة تصويتهم بالموافقة على تعديلات دستورية، تجعل من عبد الفتاح السيسي فرعونًا؟.
بالقياس ذاته، أيهما أكثر انتهاكًا للقيم العامة وخدشًا للحياء، استعراضات سما المصري المبتذلة على "السوشيال ميديا"، أم استثمار النظام السياسي هذا الابتذال وتشجيعه وحمايته، على مدار سنوات، منذ بدأ التحضير للانقلاب في 2013؟.
ما أتت به طالبة جامعة القاهرة سلوك شخصي خاطئ، لا يمكن لأحد الدفاع عنه، لكنه بأي حال لا يرقى إلى السلوك العام لرئيس الجامعة، حين وقف يحرض على الرذيلة، وسط مئات، بل آلاف من طلاب الجامعة، وهل هناك أرذل من الإغراء بالرشوة؟
لا فرق بين استعراض التلميذة، واستعراض رئيس جامعتها سوى أن الأخير كان يغلف ابتذاله المنقول بثًا حيًا بعبارات الوطنية العطنة، وهو يردد بين رشوة وأخرى "مين بيحب مصر" فيما لم تزعم طالبة التيك توك أنها تقدم عملًا وطنيا أو خدمة جليلة لمصر.
في حالة سما المصري، كان هذا الابتذال في حماية تنظيم الانقلاب العسكري، وتمويل رعاته الإقليميين، إذ كانت الأخبار تتحدث، في ذلك الوقت، عن سفرات أسبوعية إلى الإمارات لتصوير وتسجيل كليبات شديدة الانحطاط تشتم فيها، بكل مخزون البذاءة القومية، الرئيس محمد مرسي والإخوان وحازم صلاح أبو إسماعيل، وكل من يتصدى لمشروع الثورة والمضادة والانقلاب العسكري، بل أن ما قدمته من تسفل بالفن كان بنظرهم نوعًا من الكفاح الوطني العظيم، استحق أن تفتح استوديوهات التلفزة وصفحات الجرائد لصاحبته، كي تتحدث عن نضالها الوطني من أجل نجاح "30 يونيو".
السؤال هنا: لماذا قرر الرعاة الرسميون لكل هذا القبح والرداءة ارتداء مسوح رهبان الفضيلة فجأة، ليتذكّروا بعد سبع سنوات من الحفاوة بالرذيلة المحسوبة على الفن أن ما تفعله سما المصري خادش للحياء وصادم للذوق العام؟ لماذا تحول الشيء نفسه من وطنية وحب لمصر إلى إساءة لسمعة مصر وخروج على الآداب العامة؟
الشاهد أن هذا النوع من الرذيلة يظل من الممكن تجنب انبعاثاته وتأثيراته على الفرد والمجتمع بتجاهله وغض البصر عنه، ومن ثم فهو لا يدمر إلا أصحابه، الذين يتم الغدر بهم فجأة وتقديمهم أكباش وشياه فداء عند اللزوم، وخصوصًا عندما يكون النظام السياسي والأمني الراعي لهم بمواجهة اتهامات من الجماهير بالتعنت مع المساجد ودور العبادة، بينما هو في منتهى السخاء والكرم والمرونة مع استوديوهات الدراما السيسية.
تأتي هذه المظاهر التمثيلية الركيكة دفاعًا عن "الفضيلة" في وقت تمارس فيه هذه السلطة كل أنواع الرذيلة والانحطاط الإنساني في مواضع أخرى، إذ مهما بلغ ما ارتكبته طالبة جامعة القاهرة من أخطاء، فإنه بالتأكيد لن يكون أكثر وضاعة وفضائحية من اقتحام بواسل الانقلاب منزل المترجمة مروة عرفة في جوف الليل واختطافها من طفلتها الرضيعة وإخفائها قسريًا لليوم العاشر على التوالي، ولا أحد يعلم مصيرها، وهو الأمر ذاته الذي تكرر مع المترجمة بمكتبة الاسكندرية خلود سعيد، التي تم حبسها 15 يومًا على ذمة قضية تم تأليفها وتلفيقها، بعد أسبوع من انتزاعها من منزلها وإخفائها.
الأعمال الفاضحة الحقيقية هي ممارسات هذه السلطة بحق الفرد والأرض، من اعتقالات وأحكام قضاء لا تعرف العدالة أو النزاهة، إلى التفريط في الجزيرتين، مرورًا بمئات من حالات الاختفاء القسري.
الأعمال الفاضحة الحقيقية هي تشريس يوسف زيدان، ثم إبراهيم عيسى، وإطلاقهما على التاريخ والتراث، لكي يقنعا الناس بأن الصهيوني أقرب لك وأرأف بك من صلاح الدين الأيوبي، وأن المسجد الأقصى ليس الذي في فلسطين، وأن كل صور المقاومة للظلم وللاحتلال هي إرهاب... وأن المصلحة هي مصادقة العدو ومعاداة الشقيق والأخ.
كان فيلسوف الواجب الألماني إيمانويل كانط يقول إن "قيمة الفضيلة إنما تزيد كلما كلفتنا الكثير، دون أن تعود علينا بأي مكاسب". وليس هناك من استثمر واستفاد وحصد المكاسب من نشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة أكثر من هذه السلطة وتوابعها وطباليها وعازفيها وإعلامييها... ثم بعد ذلك تدعي الفضيلة.
صحيح، ما فعلته سما المصري مقزز ومقرف، لكن ما تفعله هذه السلطة ومثقفوها أكثر قرفًا.
وائل قنديل (العربي الجديد)
وائل قنديل
كاتب صحافي مصري من أسرة "العربي الجديد" عروبي الهوية يؤمن بأنّ فلسطين قضية القضايا وأنّ الربيع العربي كان ولا يزال وسيبقى أروع ما أنجزته شعوب الأمة