فضائح ترفيهية!

26 مارس 2024

(حامد عبد الله)

+ الخط -

سلسلة من الفضائح والخروق المثيرة طفت على أحداث الأسبوع الماضي في العراق، ولكن نسبة كبيرة من الجمهور العام تعامل معها أنها "مادّة ترفيهية" وصار يلاحق تطوّرات هذه الفضائح للإثارة وليس العبرة أو اتخاذ موقفٍ ما. حادثة الأستاذ الجامعي في البصرة الذي كشفت تسجيلات فيديوية عن قيامه بعمل فاحش مع إحدى الطالبات، ثم الكشف عن شبكة ابتزاز لها صلة بضبّاط كبار في وزارة الداخلية. أوامر قضائية لإيقاف مسلسلات تعرض على الشاشات العراقية في شهر رمضان، في تأويلٍ ملتوٍ بأنها تمسّ برموز دينية، أو تسيء إلى شرائح اجتماعية. حوادث قتل تصوّرها كاميرات أشخاص أو كاميرات مراقبة. ولم تنته الفضائح بالأنباء عن إطلاق سراح قاتل الكاتب والمحلل السياسي والأمني هشام الهاشمي.
المثير في ردّة فعل الجمهور حول هذه الحوادث وغيرها أن هناك تغيّراً في المزاج العام باتجاه اللامبالاة وعدم الاكتراث، إلا في الحدود التي يقف عندها الاهتمام بـ"الحوادث المثيرة" الأخرى، مثل طلاقات فنانات أو زيجاتهن أو عراك بين "فاشنستات" على مواقع التواصل الاجتماعي.
في تأمّل أكثر قرباً للصورة، نلمس بسهولة أن الذي تغيّر هو انسحاب تلك الفئة التي "تصنع الرأي العام" لتتوارى في الخلف، وهذا ناتج من سببين أساسيين: الأول: الشعور بالياس والإحباط، وأن الماكنة التي تصنع الخروقات والكوارث كلّ يوم أكثر صلادة وقوّة ورسوخاً من أي قدرة على إصلاحها أو استبدالها. الثاني: خشية المساس بـ"الخطوط الحمر" الكثيرة، والتي لا يتوانى أصحابها عن إنزال أشد العقاب بمن يقترب منها. الجو البوليسي الذي يشيعه السلاح المنفلت وغير المنضبط بسلطة القانون يجعل صاحب الرأي، أو الناشط في المجال الصحافي والحقوقي يفكّر ألف مرّة قبل أن يوجّه إصبع الاتهام إلى جهة ما، يعرف أنها أعلى من القانون والدولة.
بتراجع هذه الفئة الناشطة من صنّاع الرأي، والتي تعلّق بشراسة على الأحداث الجارية، فإن فئات أخرى هي التي تطغى على مواقع التواصل الاجتماعي، تحوّل المفارقات الأمنية والسياسية والاقتصادية إلى نكتة أو مادّة للترفيه لا أكثر.
من جهة أخرى، لم تعد الأحزاب الكبرى الماسكة بالنظام السياسي والحكومة الحالية تهتم كثيراً بردّات فعل الجمهور العام، إن كان ناقداً متجهّماً أو ساخراً، فهي تعرف أنها حيّدت القوى المدنية النشطة إما بالتهجير أو القتل أو شراء الذمّة أو الترهيب الذي يقود إلى الصمت. ومن يتبقى ممن يثرثر، فإنها غير معنيّة بتأثيره، لأنه خارج النسيج الذي كان يتفاعل معه سابقاً.
في هذه الأثناء، تناقش القوى السياسية فكرة تعديل قانون الانتخابات مرّة أخرى، والهدف واضح؛ فالقوى الحالية الماسكة بالسلطة هي الخاسرة في انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وما كان لها أن تمسك بدفّة الحكم لولا انسحاب نوّاب الكتلة الصدرية، الفائز الأول في الانتخابات. لذا، هي لا تريد تكرار الهزيمة التي منيت بها، وتريد تعديل القانون الانتخابي بما يحفظ لها كتلة برلمانية قوية تساعدها على الاستمرار في المشهد السياسي البرلماني والحكومي.
لم تكن هذه القوى مكترثة بمقاطعة نسبة كبيرة للانتخابات، لأن القانون الانتخابي لا ينصّ على حدّ معيّن لنسبة المصوّتين، وبالتالي، قد ترى من المناسب أن تستمر هذه المقاطعة، حتى تعتمد أكثر على جمهورها الانتخابي الخاصّ. وبالنسبة للجمهور العام، زيادة على العوامل التي ذُكرت سابقاً، فإنه شاهد ثلاث نتائج مؤثرة لانتخابات 2021: أن المقاطعة التي كانت عقابية بالنسبة لبعضهم ولامبالاة بالنسبة لآخرين، لم تثلم من سلطة الأحزاب الموجودة. أن النسبة الجيدة من المقاعد البرلمانية التي حصل عليها المعارضون للأحزاب الإسلامية الحاكمة لم تخلق منهم قوّة مؤثرة، وضاعوا بين أرجل الكبار المتصارعين. أن هناك قوّة خارج العملية السياسية تفرض الفائز، مهما كان حجمه الانتخابي، واستخدمت شتّى الوسائل لإقصاء الفائز الأول (الكتلة الصدرية) عن حقها في تشكيل الحكومة.
عزّزت هذه العوامل الثلاثة الإحباط لدى عراقيين كثيرين من قدرتهم على تعديل مسار العملية السياسية أو التأثير في الشأن العام، فصار أغلبهم يكتفي بالتفرّج، ويتلقّى الفضائح على أنها مادّة ترفيهية لا أكثر.