فتح الطرق والمنافذ في اليمن... الواقع والإشكالية
تشهد العاصمة العُمانية مسقط حراكاً دبلوماسياً متعدّد المستويات، بهدف دفع الفرقاء اليمنيين إلى قبول خريطة الطريق الأممية. ومع أنّ من السابق لأوانه التكهّن بآفاق العملية السياسية، في حال استئنافها، فإنّ تحريك الملفّ اليمني في هذا التوقيت ناشئ من رغبة المجتمع الدولي الحدّ من التداعيات الاقتصادية لهجمات جماعة الحوثي على الممرّات المائية، لا في حلحلة تعقيدات الأزمة اليمنية، بما في ذلك تطبيع الوضع الإنساني، وهو ما يتمظهر في إدارة الأمم المتّحدة ملفّ فتح الطرقات والمنافذ. فإلى جانب غيابها جهةً إشرافيةً لمراقبة (وتأمين) بعض المنافذ والطرقات، التي فُتِحت أخيراً، والذي يعني غياب ضمانات لاستدامة فتحها أمام المواطنين، ناهيك عن حمايتهم من الانتهاكات المتعدّدة التي يتعرّضون لها، فإنّها، وبهذا الإجراء، نقلت مسؤولية فتح المنافذ والطرق إلى أطراف الحرب، والتي تعني، في ضوء المنحى التصعيدي، تحويل ملفّ فتح المنافذ والطرق إلى ورقة جديدة للضغط، يُوظّفها الطرف الأقوى.
من ملفات عديدة ضُمّنت خريطة الطريق الأممية، واتفاقيات الهدنة المنقضية بين الفرقاء اليمنيين، يشكّل ملفّ فتح الطرقات والمعابر أكثرها تعقيداً وإشكالية، وذلك لدلالتها العسكرية والسياسية، وأيضاً أهميتها الاقتصادية بالنسبة للمتصارعين، والتي تعني حرصهم على بقاء المنافذ والطرق مغلقةً لتثبيت الوضع القائم عسكرياً، ومن ثمّ سياسياً، إلى جانب تداعياتها الكارثية على حياة اليمنيين إنسانياً واجتماعياً واقتصادياً، ناهيك عن تقسيم اليمن إلى كانتونات مغلقة ومتصارعة، ومن ثمّ إعاقة أيَّ شكلٍ من تأسيس سلطة وطنية مستقبلاً، فقد انتجت سنوات الحرب جغرافيةَ معابرَ وطرقٍ امتدّت في الأرض اليمنية، قسّمت اليمن بين سلطات الحرب والقوى المهيمنة شمالاً وجنوباً، إلى جانب المناطق الداخلية، التي لها أيضاً، منافذها وطرقها ومتاريسها وقواها المُهيمنة التي تسيطر عليها، ومن ثمّ فإنّ فتح المنافذ والطرقات يقتضي أولاً، وقف الحرب نهائياً لتعطيل الخيار العسكري، الآن وفي المستقبل، بما في ذلك فرضية تحويل فتح المنافذ والطرق جزءاً من وسائل إدارة المعادلة العسكرية، يتبعه فرض تسوية سياسية بين المتصارعين، التي تعني تطبيع الوضع السياسي، ومن ثمّ يعزّز فتح المنافذ والطرق وجود لجان رقابية أممية وإشرافية تدير عملية فتحها وتشرف عليها، وتوفّر ضمانة مستدامة لتثبيت تطبيع الأوضاع الإنسانية في المناطق اليمنية عموماً، وإعادة المواطنين إلى مناطقهم، التي هجّروا منها في مناطق التماسّ والمدن المقسّمة، ومن ثمّ تقتضي معالجة ملفّ بهذه الإشكالية وبهذا التعقيد إيجاد رؤية شاملة وآلية واضحة تعالج المشكلة من جذورها، وتداعياتها، إلّا أنّ ترتيبات فتح بعض المنافذ والطرق أخيراً، كمنفذ الحوبان في تعز الرابط بين شمال المدينة وجنوبها، أي من المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي إلى منطقة الشرعية، وطريق البيضاء - مأرب، يكشف بجلاء نتائج أيّ تفاهمات ارتجالية من دون آلية واضحة تضمن استدامة فتحها، أو حتّى ضمانات لحماية المواطنين من الانتهاكات، وقبلها تثبيت أيّ مستوى من بناء الثقة بين المتصارعين، وهو ما يعني، في ضوء المعطيات الحالية، إعادة توجيه فتح بعض المنافذ والطرق في المعركة العسكرية بعيداً من أيّ مقاصد إنسانية.
تسيطر جماعة الحوثي على مجمل المنافذ والطرقات البرّية في اليمن بوصفها طرفاً رئيساً في مقابل تعدّد خصومها المحلّيين
تسيطر جماعة الحوثي على مجمل المنافذ والطرقات البرّية في اليمن بوصفها طرفاً رئيساً في مقابل تعدّد خصومها المحلّيين، فإلى جانب أنّ هذه المنافذ سيّجت حدود سلطتها السياسية، فإنّها تثبّت خريطتها العسكرية التي تشمل مساحات جغرافية تمتد من مناطق شمال اليمن إلى مناطق التماس مع جنوب اليمن، إضافة إلى تقسيم بعض المدن بينها وبين خصومها، ومن ثمّ تشكيل نطاقات جغرافية لسلطتها واقتصادها، وإذا كانت سيطرة الجماعة على هذه المنافذ والطرقات قد أتاحت لها توحيد استراتيجيتها في إدارته واستثماره، والضغط على خصومها، فإنّها ما زالت تديره في سياق خيارها العسكري، أي ضمن المنحى التصعيدي الشامل، الذي ينسجم مع استراتيجيتها العامّة، بدءاً بمضاعفة هجماتها على السفن التجارية في الممرات المائية اليمنية، إلى استغلال الظرف الحالي لتحسين موقعها التفاوضي، من خلال إدارة فتح بعض المنافذ والطرقات كمنفذ الحوبان وطريق مأرب - البيضاء، وتوجيههما عسكرياً، فبالتزامن مع الترتيبات الأممية لاستئناف العملية السياسية في مسقط، صعدّت جماعة الحوثي هجماتها العسكرية في جبهات عديدة، فإلى جانب تنفيذ هجمات واسعة في الساحل الغربي استهدفت قوّات العمالقة أخيراً، كثّفت الضغط على جبهات مأرب في محاولة لتغيير المعادلة العسكرية، إضافة إلى دفع مقاتليها إلى التسلّل إلى جبهات شمال مدينة تعز. ومن جهة ثانية، فقد أدارت الجماعة فتح منفذ الحوبان، في سياق معركتها العسكرية والأمنية والاقتصادية، فإضافة إلى فرض إجراءات انتقائية لتقييد حركة الداخلين إلى المناطق التي تسيطر فيها في مقابل تسهيل إجراءات العابرين إلى مناطق الشرعية، فإنّها وظّفت فتح المنفذ لتحسين خياراتها العسكرية، سواء في تعز أو في الاتجاه جنوباً، وذلك بهدف تحقيق اختراق عسكري في جبهات تعز، وإرباك المعادلة الأمنية، إلى جانب تعزيز مواقعها العسكرية في جبهات التماس مع المناطق الجنوبية، كما أنّ فتح المنفذ يسمح للجماعة بتجاوز التقييدات الاقتصادية التي تواجهها من خصومها، سواء بالتحايل على سياسات حظر تداول الطبعة القديمة من العملة، وأيضاً نقص السيولة في النقد الأجنبي، أو الضغط على خصومها اقتصادياً، وذلك بالاعتماد على شبكات التهريب، التي قد تمكّنها من سحب الطبعة القديمة من العملة في مناطق الشرعية في تعز، ومن ثمّ تعزيز مخزونها من عملتها المحلّية، إلى جانب ضرب سعر الطبعة الجديدة من العملة، إضافة إلى أنّ استقرار فارق السعر بين الطبعتَين يضمن لها خلق ضغط على الشرعية، في المستوى التجاري والاستهلاكي، ومن ثمّ فإنّ الجماعة تدير ملفّ فتح المنافذ جزءاً من معركتها ضدّ خصومها.
كشفت مسارات فتح بعض المنافذ والطرق غياب رؤية موحّدة للمجلس الرئاسي تمكّنه من إدارة هذا الملفّ والتعاطي مع تبعاته
في ملفّ فتح المعابر والطرقات أو غيره من الملفّات،تصبح السلطة المتعدّدة القوى والمنقسمة سياسياً وأيديولوجياً الطرف الأضعف، بحيث تواجه التحدّيات التي يفرضها خصمها، وهو ما ينطبق على سلطة المجلس الرئاسي، فقد كشفت مسارات فتح بعض المنافذ والطرق غياب رؤية موحّدة للمجلس الرئاسي تمكّنه من إدارة هذا الملفّ، بما في ذلك التعاطي مع تبعاته العسكرية والأمنية والاقتصادية، كما كشف تضارب الصلاحيات ما بين السلطات المحلّية والجهات الرسمية المخوّلة الإشراف على هذا الملفّ، والذي يُعدّ ملفاً عسكرياً في المقام الأول، وتحديداً بالنسبة إلى السلطة العسكرية ممثلةً بوزارة الدفاع في الحكومة. ففي مقابل تحييدها من ترتيبات فتح الطرق والمنافذ، وفي مستوى إشرافي، تولّت السلطات المحلّية، كلٌّ بحسب إمكاناتها، فتح بعض المنافذ والطرق كمنفذ الحوبان وطريق مأرب - البيضاء، ممّا أسهم في تحسين موقف الجماعة، بما في ذلك قدرتها في إدارة المعابر والطرق لمصلحتها، ومن جهة ثانية، فإنّ تكفّل السلطات المحلّية وأجهزتها العسكرية بإجراءات فتح المنافذ والطرق في مناطقَ يعني محدودية قدرتها في التعاطي مع التحدّيات المترتّبة على فتحها، وربّما يمثّل الوضع الحالي في مدينة تعز مثالاً على نتائج غياب آلية موحّدة ورؤية متكاملة، وأيضاً، التجاوزات التي قد تسبّبها حالة الضغط على السلطة المحلّية، إذ تصدّرت السلطة العسكرية، وبمعزل عن السلطة السياسية، إجراءات ضبط الوضع المترتّب على فتح منفذ الحوبان، وشملت ترتيبات متعدّدة، اقتصادية؛ تحظر دخول وتداول الطبعة القديمة من العملة ومنع خروج العملات الأجنبية إلى مناطق الجماعة، وفرض سعر موحّد لبيع وشراء العملة المحلّية بطبعتيها القديمة والجديدة، ومن ثمّ محاولة السيطرة على أيّ تداعيات اقتصادية محتملة، وعسكرية؛ وذلك بتعزيز الجبهات في مدينة تعز وصدّ تسلّل مقاتلي الجماعة إلى الجبهات الشمالية، وأمنية؛ بتشديد الرقابة داخل المدينة، إلا أنّ تأمين تعز من عدو مُتربّص قد لا يعني فرض الأمن والاستقرار وصدّ خطر الجماعة، بل مضاعفة الانتهاكات التي تطاول المواطنين كاعتقال أمن تعز الناشط خليل عبد الوهاب على خلفية قدومه من منطقة الحوبان وزيارته منزله. وبالتالي، فإنّ جماعة الحوثي، وإن أدارت فتح المنافذ والطرقات للضغط العسكري على خصومها، ولغياب الحدّ الأدنى من التوافق حول آلية فتح الطرق والمنافذ في حالة سلطة المجلس الرئاسي، تجعل المعابر والمنافذ أطرافاً في مرمى الجماعة.