جماعة الحوثي وتحديات الوضع الإقليمي الحالي

06 نوفمبر 2024

أنصار جماعة الحوثي في احتجاج لدعم غزّة ولبنان في صنعاء (1/11/2024 Getty)

+ الخط -

فرضت جولات الصراع الإسرائيلي – الإيراني، وجديدها أخيراً الهجوم الإسرائيلي على إيران في الــ26 من الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، بما في ذلك الحربان في لبنان وقطاع غزّة، تحدّيات جديدة على جماعة الحوثي، إذ إنها، وبوصفها طرفاً في معسكر المقاومة الإسلامية الموالية لإيران، محكومة بهذه التوترات وما يترتب عليها من تهيئة نفسها لمعركةٍ قد تكون طويلة لإسناد حليفها، وأيضاً لدعم جبهات المقاومة، إلى جانب، وهو الأهم، خضوعها للشرط الإقليمي والدولي وأدوات الفاعلين في التعاطي مع إيران ووكلائها.

ولّد الصراع الإسرائيلي ضد إيران ومعسكر المقاومة في المنطقة مخاطر أمنية ولوجستية غير مسبوقة على جماعة الحوثي، وذلك بفرض معادلة جديدة عليها تكييف نفسها وفق شروطها، وذلك باحتمال تحوّلها إلى هدف عسكري مباشر لإسرائيل أو لحلفائها الغربيين، سواء على مستوى استهداف قياداتها أو أفرادها، أو بنيتها العسكرية، بما في ذلك تقييد شبكات دعمها الإقليمي والمحلي، ومن ثم طوّرت الجماعة آلياتها للاستجابة لهذه التحدّيات، بحيث تبنّت أخيراً سياسة أمنية وقائية تهدف إلى حماية قياداتها الميدانية وتأمينها، إلى جانب تقليص حضور قياداتها السياسية في مؤسّسات الدولة. أمنياً أيضاً، فإن استهداف إسرائيل للزعامات المؤثرة في معسكر المقاومة، بعد قتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وأخيراً قائد حركة حماس، يحيى السنوار، ألقى بثقله على جماعة الحوثي من حيث مستوى المخاطر التي قد تطاولها، ونوعيتها، ولتماثلها مع حزب الله و"حماس" بفعالية الدور المركزي للزعيم، الذي لا يتصدّر فقط هرمها السياسي والديني في حالة الجماعة، بل ينظم علاقتها بمحطيها المحلي والإقليمي، ويوجّه فعاليات دعم المقاومة الإسلامية، بما في ذلك توجيه المظاهرات الأسبوعية في المناطق الخاضعة للجماعة، فإن مقتل القيادات المؤثرة في معسكر المقاومة جعل زعيم الجماعة في دائرة الضوء، ومن ثم رفع مستويات الحماية، إلى جانب تغيير آليات إدارته السلطة؛ ومن الجانب الأمني إلى العسكري، خلقت هذه التحولات تحديات إضافية على الجماعة، فبعيداً عن انعكاس الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران الذي استهدف منشآت تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة في المدن الإيرانية، على القوة العسكرية للجماعة، بما في ذلك استنزاف إسرائيل لقوى المقاومة في معركة متعدّدة الجبهات، فإن تطورات الصراع الإسرائيلي - الإيراني قد تعني تفعيل ضوء أخضر دولي لاستهداف الجماعة، ومن ثم كيفت استراتيجيتها مع هذه المخاطر، من خلال تبنّي مسار تصعيدي، تمثل بالاستعداد لحرب محتملة، بدءا باستدعاء مقاتليها وكوارد مؤسساتها العسكرية ورفع الجاهزية العسكرية، وإعادة انتشارها إلى حماية مواقعها من الاستهداف، مقابل تهيئة المجتمعات التي تحكمها لجولة حرب مقبلة. ومن جهة ثانية، دفعت الجماعة إلى تحريك بعض جبهات القتال ضد خصومها لتنشيط جبتها الداخلية، وأيضا استباق أي تطوّرات عسكرية مفاجئة قد تحدُث في المستقبل. ومن جهة ثالثة، تفعيل موقعها باعتبارها قوة في معسكر المقاومة، وإنْ بشكل مدروس، ويخضع لديناميكية الصراع مع إسرائيل، تمثل باستئناف عملياتها ضد الملاحة البحرية وتنفيذ هجمات ضد السفن في البحر الأحمر والبحر العربي، إضافة إلى استهداف إسرائيل، ومن ثم تأكيد استمرار إسنادها المقاومة، وأيضا دعم حليفها الإيراني، مقابل مراقبة التحولات الإقليمية، والتحرك في ضوئها.

مقتل القيادات المؤثرة في معسكر المقاومة جعل زعيم جماعة الحوثي في دائرة الضوء

التبعات المترتبة على استمرار خوض جماعة الحوثي معارك الإسناد والتحالف مع إيران فرض تحدّيات أخرى عليها، تتمثل بربط الشرط المحلي اليمني بتعقيداته بالوضع الإقليمي المضطرب، والذي قد يمضي نحو مزيدٍ من التصعيد. ومع أن استمرار الحالة الصراعية يلبي توجهات الجماعة في خوض حروب حلفائها لضمان تثبيت مركزها في المعادلة المحلية والإقليمية، وأيضا لأهداف سياسية، تتمثل برهن استمرارية الوضع الاقتصادي المتدهور في المناطق الخاضعة لها بضريبة أنها قوى في معسكر المقاومة، فإن لايقينية الحالة الإقليمية الحالية، وأيضا تناقض مصالح الفاعلين الدوليين والإقليميين، قد يضاعف مستويات المخاطر بارتهان الجماعة لتجاذبات صراع متعدّد الأقطاب لا تشكل فيه طرفاً فاعلاً، على مستوى القرار، أي استمرار التصعيد مع إسرائيل أو التهدئة، ناهيك عن تحصيلها مكاسب تحسّن موقعها باعتبارها سلطة. ومن ثم، فإن الجماعة، وفي محاولة لتجاوز هذه التحدّيات، فعلت دبلوماسية مصاحبة لتصعيدها العسكري، عبر طرق أبواب الرياض، في محاولةٍ لدفع السعودية للتوقيع على خريطة الطريق الأممية التي تنهي تدخلها في اليمن، ومن ثم انتزاع اشتراطاتها الاقتصادية، إلا أن حلحلة الأزمة اليمنية، بتعقيداتها المحلية، مرتبطة باستقرار الوضع الإقليمي، وأيضا بمصالح الفاعلين المتدخلين في اليمن، ومنهم السعودية، وأولوياتها.

لذا، يقلّص استمرار التصعيد الإقليمي خيارات الجماعة في مواجهة أعبائها بصفتها سلطة، مقابل بقاء التهديدات المترتبة على دورها في معارك إسناد المقاومة وتحالفها مع إيران، وإذا كان لجوء الولايات المتحدة إلى خيار خوض حربٍ مفتوحة ضد الجماعة، وتحريك الجبهات في اليمن ضدها، يظل خيار متاحا الآن وفي المستقبل، فإن تعاطيها مع تهديداتها حركة الملاحة انتقل أخيراً الى مستوى جديد، وهو ما يمكن قراءته مؤشّراً لتغير في المزاج الأميركي نحو الجماعة، وإنْ لم يتبلور بعد، فمع استمرار استهداف الطيران الأميركي مواقع الجماعة في المناطق الخاضعة لها، فإن الطيران الأميركي نفذ ضربات أكثر عمقاً، طاولت مواقع الجماعة في الحديدة وصنعاء، باستخدام قنابل عميقة تستهدف الأنفاق الأرضية والتحصينات، وهو ما اعتبره وزير الدفاع الأميركي حينها ردّا على الهجوم الإيراني على إسرائيل في مطلع الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، ورسالة إلى إيران بقدرة أميركا على ضرب أذرعها، إضافة إلى فرض الإدارة الأميركية قائمة متلاحقة من عقوباتٍ طاولت شبكات تمويل الجماعة من شركات وأفراد، إلى شبكات حلفائها في المنطقة. ومع أن كل السيناريوهات محتملة لردع الجماعة، فذلك مرهونٌ بسياسة الإدارة الأميركية المقبلة في إدارة الصراع الإسرائيلي - الإيراني، وعلاقتها بإيران ووكلائها وبالطبع تعاطيها مع الأزمة اليمنية.

 ولّد الصراع الإسرائيلي ضد إيران ومعسكر المقاومة في المنطقة مخاطر أمنية ولوجستية غير مسبوقة على جماعة الحوثي

إلى ذلك، أنتجت العلاقة التحالفية بين إيران وجماعة الحوثي، وفي ظرف إقليمي حساس، أعباء على الجماعة، بخضوعها، ليس فقط لتبعات صراع إيران مع إسرائيل، وأيضا لإسناد المقاومة، بل خضوعها، وان لم ترغب، للأولويات السياسية لحليفها، إضافة إلى تأثرها بالتحدّيات التي تواجهها إيران، على الصعيد العسكري والاقتصادي والسياسي، جراء صراعها مع إسرائيل، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية التي تطاولها من حلفاء إسرائيل، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، إلا أن ترتيب علاقتها مع حليفها في اليمن، والذي فرضته كما يبدو المخاطر المترتبة على استهداف ثقلها في الإقليم إلى استمرار استنزاف الموارد البشرية والعسكرية في أهم جبهتين في ساحات المقاومة، وهما الجبهتان اللبنانية والفلسطينية، جعلها تعيد تصدير حليفها في اليمن إلى الواجهة، لتخفيف الضغط على الجبهات الأخرى، وأيضا تثبيت معسكر المقاومة، وهو ما عكسته السياسة الإيرانية حيال الجماعة في الوقت الحالي، فإضافة إلى تعيين سفير لها في العاصمة اليمنية صنعاء، قبل أشهر، وهو ما يعني استئناف إيران دبلوماسيتها السابقة في إدارة الأزمة اليمنية، أي نحو مسار تصعيدي، يثبت بقاء حالة الحرب، وذلك بالاعتراف بسلطة الجماعة، مقابل عدم الاعتراف بشرعية حلفاء السعودية، فإنها ومع تصاعد صراعها مع إسرائيل، نقلت إيران ثقلها السياسي إلى صنعاء باعتبارها منطقة نفوذ إقليمي خاص بها، حيث هدّد السفير الإيراني باستمرار المعارك الإسنادية لجبهات المقاومة في لبنان وغزّة من اليمن، والتشديد على مركز الجماعة في معادلة ردع إسرائيل وحلفائها، إلى جانب استعادة إيران موقعها طرفاً إقليمياً فاعلاً في إدارة الملف اليمني، وممثلاً عن الجماعة، عبر تفعيل قنوات دبلوماسية للتفاهم مع السعودية من الوسيط العماني إلى عقد لقاءات غير مباشرة.

ومع أهمية الجماعة بالنسبة لإيران وكيلاً أقلّ كلفة يمنحها قدرا أكبر من الاستثمار السياسي وقوة الردع ضد إسرائيل، وأيضا خصومها ومنافسيها في المنطقة، فإن إدارة هذه العلاقة تخضع للأولويات الإيرانية، وأيضا للسياسة التي ستنتهجها الإدارة الأميركية المقبلة حيالها، إلى جانب مسارات صراعها مع إسرائيل مستقبلا، والظرف الإقليمي والدولي الذي سيخلقه، إضافة إلى ترتيبات علاقتها مع السعودية، الطرف الرئيس في حرب اليمن، ونتائجها، إذ إن الجماعة، وإن ظلت ورقة رابحة لإيران للضغط والتهديد، فذلك لا يعني جنيها باعتبارها وكيلاً مكاسب ناشئة عن ذلك، ناهيك عن حمايتها من العقاب في حال أراد المجتمع الدولي استهداف الجماعة.