غزّة أيضاً وأيضاً
تتّجه الأنظار مجدّداً اليوم إلى قطاع غزّة الذي يبدو أنه سيكون خلال الفترة المقبلة على موعدٍ مع تصعيدٍ جديدٍ تحضّر له سلطات الاحتلال بذرائع متعدّدة، آخرها العمليات في الضفة الغربية، والتي تتهم حكومة بنيامين نتنياهو حركة حماس بدعمها والتخطيط لها. ورغم أن لا دليل لدى سلطات الاحتلال على ذلك، إلا أنها دائماً ما تجد في قطاع غزّة متنفّساً للفشل الذي تُمنى به على مستوياتٍ كثيرة.
يتمثل المستوى الأول لهذا الفشل في الصعيد الأمني، فرغم كل التعزيزات العسكرية والعمليات والاغتيالات التي نفذتها في الضفة الغربية، إلا أن حكومة نتنياهو لا تزال عاجزة عن ضبط الوضع في المدن الفلسطينية ومنع تنفيذ عمليات ضد الجيش الإسرائيلي، حتى بمساعدة من السلطة الفلسطينية تحت غطاء التنسيق الأمني. وخلال الأشهر الماضية، تمدّد العجز الإسرائيلي إلى الأراضي المحتلة عام 1948، مع تنفيذ أكثر من عملية في تل أبيب.
فاقم هذا الأمر من أزمات حكومة نتنياهو التي لا تزال تواجه غضباً داخلياً بسبب قانون التعديلات القضائية الذي مرّرته في البرلمان، وهو المستوى الثاني من الفشل، والذي يأتي على الصعيد السياسي، إذ إن تمرير هذا القانون لم يحصّن ائتلاف نتنياهو الهشّ، بل عزّز سطوة الأحزاب المتطرفة وخلق أزمة داخلية إسرائيلية غير محدودة التداعيات على المدى البعيد، باعتراف مسؤولين إسرائيليين كثيرين. إضافة إلى ذلك، أحدث هذا القانون، إلى جانب أمور أخرى، في مقدمتها الاستمرار في سياسات التوسع الاستيطاني، أزمة مع الولايات المتحدة التي لم تتوان عن انتقاد مسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تمرير قانون التعديلات القضائية، وطلبت التراجع عنه، وهو ما رفضه نتنياهو.
وكعادة الحكومات الإسرائيلية السابقة لمواجهة أي أزمة داخلية أو خارجية، تسعى حكومة نتنياهو اليوم إلى افتعال عمل عسكري، يخفّف عنها الضغط. يمثّل قطاع غزّة الآن للحكومة الإسرائيلية مخرجاً مؤقتاً. ودائما ما يكون خيار الحكومات الإسرائيلية التوجّه نحو الجبهة الجنوبية في غزّة، باعتبارها الحلقة الأضعف، والخسائر فيها مضبوطة لأنها لا تتطلب تدخلاً برّياً، رغم التهديد الذي تشكله صواريخ الفصائل التي تطلق على البلدات والمدن الإسرائيلية خلال كل عدوان، والتي عادة ما تتعامل منظومة "القبّة الحديدية" مع معظمها.
في مقابل التحضيرات الإسرائيلية والتهديدات التي تطاول القطاع وقادة الفصائل الفلسطينية فيه، يبدو أن غزّة تترقب عدواناً إسرائيلياً. فخلال الأيام الماضية، انتشرت على مجموعات الدردشة في قطاع غزّة جملة من التلميحات عن تحضيراتٍ لمواجهة عدوانٍ على قطاع غزّة. اللافت في التلميحات الإشارة إلى أنه يجري تحييد حزب الله اللبناني عن المعركة المقبلة، باعتبار أن التهديدات التي أطلقها جيش الاحتلال كانت ضد نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري الموجود في لبنان، والذي تحمّله حكومة الاحتلال مسؤولية التصعيد في الضفة الغربية. وبالتالي، من شأن أي عملية اغتيال تتم على الأراضي اللبنانية أن تستدرج ردّاً من حزب الله، وهو ما تشير "الدردشات" إلى أنه تم احتواؤها بتدخلاتٍ ووعودٍ بتسهيلاتٍ من الولايات المتحدة.
إضافة إلى هذه الدردشات، يبدو أن القائمين على الأوضاع في قطاع غزّة يرون في أي عدوان إسرائيلي جديد مخرجاً من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها القطاع، والناتجة عن استمرار الحصار الإسرائيلي وتراجع الدعم الذي كان يصل إلى حكومة "حماس". وعلى هذا الأساس، يتّجه الحراك الفصائلي داخل القطاع إلى تصعيد المواجهة مع الاحتلال في المرحلة المقبلة، وهو ما يظهر في الحديث القائم حالياً عن تجديد "مسيرات العودة" التي انطلقت قبل أربعة أعوام، وسقط خلالها شهداء عديدون برصاص الاحتلال.