عن منتدى الأردن للإعلام والاتصال الرقمي
ليس من المبالغة أن يُقال إن كثرة الملتقيات والمنتديات العربية بشأن الإعلام، بأجناسِه التقليدية والمستجدّة، صارت ظاهرةً لافتةً، يمكن عدّ بعضٍ ليس قليلاً منها مناسباتٍ للكلام المسترسل. وفي الوُسع أن يسألَ واحدُنا، بشأن الأسباب التي تجعل مؤسّساتٍ إعلاميةً عربيةً غير قليلة على ضعفها المهني، وعلى ركاكة أدائها، فيما الحديثُ غزيرٌ في منتدياتٍ وملتقياتٍ بلا عددٍ عن مهننة الإعلام ومصداقيّته، فضلا عن الإلحاح التقليدي (والمُضجر؟) على وجوب توفير الحرّية له. ولئن ظلَّ معهوداً أن تبادر إلى تنظيم منتديات الإعلام والتواصل مؤسّساتٌ وهيئاتٌ مستقلّة، وأخرى شبه حكومية، وفضائياتٌ وصحفٌ ومعاهدُ أكاديمية، فقد صرنا نلحظ، أخيراً، أن حكوماتٍ أغراها هذا الأمر. وأولُ ما يمكن قولُه عن المنتديات المتحدّث عنها، وعن كثرتها، أياً كان منظّموها، إن انعقادها بذاته محمود، فطيّبٌ ومستحبٌّ أن يلتقي أهل مهنة الإعلام والتواصل في هذه المناسبات، ويتعرّفوا إلى بعضهم بعضا أكثر، فقد تكون المسافات السياسية بين عديدين منهم بعيدة، ويتناقشوا بشأن ما تقدّمه وسائل الإعلام والمحطّات والمنصّات والتلفزات والصحف التي يعملون فيها. ولمّا كانت غالبية هذه المنتديات، في عمّان والدوحة والكويت وبيروت ودبي والدار البيضاء (وغيرها) يجري تنظيمُها من باب العلاقات العامّة، فإن هذا قد لا يُعدّ مأخذاً إذا توازى مع مقادير من الجدّية في المداولات، فلا يبدو المنتدى مجرّد استضافةٍ في فندقٍ للدردشات (أو الثرثرات أحيانا) المرتجلة في بديهيّاتٍ وينبغيّاتٍ وكليشيهاتٍ مكرّرة.
مناسبة هذه السطور انعقاد منتدى الأردن للإعلام والاتصال الرقمي في عمّان الأسبوع الماضي، وقد نظّمته وزارة الاتصال الحكومي الأردنية، واستضاف عشرات الإعلاميين العرب والأجانب، عدا عن زملائهم الأردنيين. وعلى غير المعهود في ملتقياتٍ مماثلة، أعلن المنتدى في مختَتمه توصياتٍ قالت الوزارة إن المشاركين فيه أوصوا بها. وليس من طبيعة هذه التظاهرات أن توصي بشيء، ولا تعني هذه الإشارة هنا التحفّظ على أيٍّ مما أعلنه أمين عام الوزارة، زيد النوايسة، من توصياتٍ، فليس من أحدٍ لا تُرضيه ضرورة الانتباه إلى القفزات الهائلة في مجال الذكاء الاصطناعي، وأهمية التعاطي مع آلياته على المستوى العربي. وجاء طيّباً تأكيد انحياز منصّاتٍ للتواصل الاجتماعي إلى الروايات الإسرائيلية في الحرب على غزّة، وتغافلها عن القضية الفلسطينية وما يتعرّض له الأشقاء في القطاع من قتل وتدمير ممنهج لجميع مناحي الحياة. وطيّبٌ أيضاً أن توصيةً تضمّنت "الحفاظ على أهمية اللغة العربية" في ظل انتشار العامية في منصّات التواصل، وكذا التوصية بأهمية تكريس البيئة الرقمية واستخدام الرقمنة المتخصّصة والمتطوّرة في وسائل الإعلام. وفي محلّها الدعوة إلى مراجعة الخطط الدراسية في كليّات الإعلام بما يعزّز المهارات الرقمية والتقنية لدى الدارسين فيها.
لعلّ الزملاء حضور المنتدى وضيوفه وزوّاره يتفقون مع صاحب هذه الكلمات، وكان من المشاركين، في أن أكثر المفردات تكراراً في كلمات المنتدين في الجلسات الثماني "التحدّيات" (وتصريفاتها). والمعنى أن تحدّياتٍ غير هيّنةٍ يواجهها العاملون في مؤسسات الإعلام العربية، وتتركّز أساساً، بحسب المتحدّثين، على مواكبتهم التطوّراتِ المتسارعةَ في تكنولوجيات الإعلام. وكانت مُهمّةً من شريك ومؤسّس ومدير شركة "موضوع"، رامي القواسمي، إشارتُه إلى وجود تحدّياتٍ كبيرةٍ لرقمنة اللغة العربية، وحسناً منه إشارته الأخرى إلى أن هناك شباباً في الوطن العربي يمتلكون المهارات في استخدام التكنولوجيا، وقادرون على تخطّي التحدّيات التي تواجه دولا عديدة.
تخفّفت مباحث المنتدى من الإتيان على السياسيِّ في العلاقة مع الإعلامي، وإنْ جيء عليه عرضاً، وإن أتيح لمسؤولين في وسائط إعلامية عربية وأجنبية (منهم صاحب هذه السطور) الحديث عن تغطياتها الحرب في غزّة، وانصرفت جلساتُه إلى المهني وإلى "فوضى السوشيال ميديا"، وإلى "الانتقال إلى زمن الذكاء الاصطناعي"، وسمعنا في هذا كله جديداً وشائقاً. كما سمعنا من وزير الاتصال الحكومي، مهنّد مبيضين، عن التزام الحكومة الأردنية بتيسير سبل الحصول على المعلومات وتسهيل تدفّقها لوسائل الإعلام والجمهور، وكشفَ عن إطلاق مسارٍ تواصليٍّ خاصٍّ قريباً لتوفير أي معلومةٍ لأي صحافي أو مؤسّسة تواجه صعوبةً بالحصول على معلوماتٍ تتعلق بعملها المهني. ... والمأمول أن يسعَد زملاؤنا في الأردن بتنفيذ هذا كلّه.