عملية عسكرية تركية ضد "قسد"
تترقب منطقة شمال شرقيّ سورية عمليةً عسكريةً تركية ضد قوات سوريا الديموقراطية (قسد). ومنذ حوالى شهر، تتسارع وتيرة العد العكسي لمواجهة شبيهة بالتي حصلت قبل عامين، بين القوات التركية وحلفائها من الفصائل السورية المعارضة من جهة و"قسد" من جهة ثانية، وانتهت إلى إنشاء منطقة "نبع السلام" من المناطق التي خرجت من تحت سيطرة "قسد" في ريفي الرقّة والحسكة. وحصل بعد ذلك تغير مهم، دخلت بمقتضاه القوات الروسية مطار مدينة القامشلي، وانتشرت على الحدود السورية التركية، غير بعيدٍ عن قواعد وأماكن تمركز القوات الأميركية التي تشكل الحامي الأساسي لـ "قسد"، إلا أن تلك العملية لم تواجَه برفض من إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بل كان إعلانه، في صيف 2019، سحب القوات الأميركية من شمال شرق سورية، بمثابة ضوء أخضر لأنقرة، كي تنفذ عمليتها العسكرية. ولا يبدو أن اليوم يشبه البارحة، ففيما نشطت المساعي الدبلوماسية لتأمين لقاء لوفد من ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية مع مسؤولين أميركيين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول) في نيويورك، كانت الرئيسة التنفيذية لـ "قسد"، إلهام أحمد، تحظى باستقبال من منسّق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغورك، الذي زار المنطقة بعد ذلك، ما أثار ردود فعل غاضبة من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي وصف المسؤول الأميركي بأنه مدير تنظيم حزب العمال الكردستاني، وقال: "تجوّل ماكغورك يداً بيد مع التنظيمات الإرهابية في المناطق التي نكافح فيها هذه التنظيمات، يجعلنا نشعر باستياء كبير".
وشهد الشهران، الماضي والحالي، سلسلة من الأعمال العسكرية التي قامت بها "قسد" ضد القوات التركية في سورية، والفصائل السورية المتحالفة معها، وكانت أغلب العمليات في مدينة عفرين التي سيطرت عليها القوات التركية والجيش الوطني السوري في مارس/ آذار 2018. وجديد هذه العمليات، التي حصلت يوم الاثنين الماضي بتفجير سيارة مفخّخة داخل سوق شعبي في مدينة عفرين، قُتل من جرائها ستة أشخاص على الأقل وأصيب آخرون. وسبقتها أربع عمليات تفجير واغتيالات في صفوف الفصائل المتحالفة مع تركيا. ولا يقف الأمر هنا، بل هناك مناوشات متواصلة بين "قسد" والقوات التركية، جديدها يوم الأحد الماضي، وقُتل جنديان تركيان، وأُصيب عنصران من الفصائل، جرّاء استهداف سيارتهم بصاروخ موجه من "قسد" قرب مدينة مارع، في ريف حلب. وتشير المعلومات المستقاة من الفصائل السورية إلى أن التصعيد يأتي من قوات سوريا الديموقراطية، تقابلها حالة استنفار، وتعزيز لصفوف القوات التركية والفصائل السورية التي شهدت، في الآونة الأخيرة، عدة اندماجات بينها، استعداداً لمواجهة جديدة.
وكان أردوغان قد دعا الولايات المتحدة إلى مغادرة سورية. وقال، في مقابلة مع شبكة سي بي إس، إن بلاده تودّ أن ترى القوات الأميركية تنسحب من سورية والعراق، تماماً كما غادرت أفغانستان قبل ذلك، ولا يحتمل تصريح أردوغان تأويلاتٍ كثيرة، إنه يوجه رسالة واضحة، أن أنقرة تريد من واشنطن أن توقف الدعم الذي تقدمه إلى "قسد". وبذلك تصبح المواجهة معها أقل كلفة سياسياً وعسكرياً، وإذا لم تنسحب القوات الأميركية، ولم يتوقف تصعيد "قسد"، فإن المواجهة العسكرية حتمية، وربما قبل نهاية هذا العام. وفي الأحوال كافة، لن يكون في وسع تركيا إحداث أي تغييرٍ ميداني داخل سورية في الظرف الراهن، ما لم تتفاهم مسبقاً مع موسكو التي تضغط بقوة على أنقرة، من أجل تسهيل عملية بسط سلطة النظام على كامل الأراضي السورية، وفق ما دار أخيراً في القمة بين الرئيس أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي.