عشر سنوات من اللعب مع الأسد
المتأمل في السنوات العشر الفائتة من عمر النظام الرسمي العربي يشعر كأنها مائة عام أو ألف عام، بالنظر إلى التحوّلات المريعة والتقلبات الهائلة في أجندة الأولويات والمواقف.
من يصدّق أن عشر سنوات فقط تفصل بين جامعة الدول العربية التي منحت المعارضة السورية مقعد دمشق في قمتها، وبين جامعة الدول العربية التي تحتضن بشّار الأسد وتزدري معارضته ومعارضيه فاتحة له أبوابها، لكي يتعطّف ويشارك في القمة التي ستعقد في الرياض في مايو/ أيار المقبل؟
من يصدّق أن الجامعة التي اختتمت قمتها في الدوحة مارس/ آذار 2013 ببيان واضح وصريح في تبنّيه دعم المعارضة السورية، هي ذاتها الجامعة التي تنادي على بشار الأسد وتعتذر له في خضوع؟
من يصدّق أنها عشر سنوات فقط تفصل بين النضال دبلوماسيا في كل المحافل من أجل تسليح الثورة السورية والتمني على الأسد أن يقبل الدعوة لحضور القمة المقبلة؟
تخيّل أن شخصًا دخل في إغفاءة طالت عشر سنوات كان آخر ما وصل إلى علمه قبلها أن وزير الخارجية السعودي السابق، سعود الفيصل، أعلن في مؤتمر صحافي مشترك مع وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، إن "تسليح المعارضة واجب .. أعتقد.. لأنها ما تقدر تدافع عن نفسها إلا بالأسلحة للأسف". ثم أفاق الشخص نفسُه بعد عشر سنوات على خبر إيفاد الرياض وزير خارجيتها إلى دمشق حاملًا الدعوة إلى الشخص نفسه، الذي يواصل ارتكاب الجرائم نفسها، التي دفعت الكل إلى إمداد معارضيه بالسلاح، لكي يستطيعوا حماية الشعب السوري من إجرامه.
كان وزير الخارجية السعودي ونظيرته الأميركية هيلاري كلينتون يتحدّثان عشية انعقاد مؤتمر "أصدقاء سورية" في إسطنبول لتقول بعد لقائها وزراء خارجية الدول الخليجية الخمس الأخرى: الكويت والبحرين وقطر والإمارات وعُمان "إن هدفنا واحد، وهو وضع حد لسفك الدماء (في سورية) وإنهاء نظام الأسد الذي تسبّب بذلك"، وأضافت: ولتحقيق ذلك، لن يكون كافيا اتفاق بضع دول فقط، إذ نحتاج إلى مساعدة دول أخرى، ونحن نتحدّث مع مجموعة من الدول وسيركز مؤتمر (أصدقاء سورية في) إسطنبول غدا على مثل هذا الدعم".
لو كان للمدن لسانٌ تتحدّث به لصرخت إسطنبول، بالذات، مندهشة من التبدّلات العنيفة على مدار هذه السنوات العشر، من قاعدة التقاء كل الجهود الرامية لإنهاء حكم نظام بشّار الأسد وإنهاء مأساة الشعب السوري، إلى نقطة الهرولة الإقليمية نحو بشّار الأسد .. ومن مدينة مستقبلة للنازحين الهاربين من فظاعات المذابح والمجازر المدعومة من موسكو إلى مدينة طاردة تعبس في وجوههم، وتطرق أبواب الطاغية لكي يفتح لها ويسامح ويصادق.
في الذاكرة كثير مما يجعل ما يدور في اللحظة الراهنة متجاوزًا كل حدود الخيال. مثلا في العام 2015 نشر موقع هافينغتون بوست الأميركي تقريراً بعنوان "تحالف غير متوقّع بين السعودية وتركيا لإطاحة الأسد"، تحدّث أن السعودية وتركيا تجريان محادثات عالية المستوى بهدف تشكيل تحالف عسكري لإطاحة الأسد، بحيث تقدّم تركيا القوات البرية، فيما ستقوم السعودية بعملية الدعم عن طريق الغارات الجوية، لمساعدة من سماهم التقرير "مقاتلي المعارضة السورية المعتدلين".
كان ذلك كله تحت إشراف واشنطن/ أوباما التي كانت لا يمرّ يوم إلا وتعلن أن العد التنازلي للتدخّل الحاسم في سورية قد بدأ، وها هي عشر سنوات قد مرّت كاشفة عن مشهدٍ شديد السخرية، فكل صيحات الحرب، العربية والغربية، ضد بشار، انتهت إلى تثبيت أركان حكمه، ومنحتْه مساحاتٍ وقدراتٍ للحركة فوق جثة الثورة السورية، منذ أعلن باراك أوباما، عقب مجزرة الكيماوي في الغوطتين 2013، أن الضربة الأميركية خلال ساعات، مرورًا بالحديث عن قواتٍ عربية، بقيادةٍ سعودية، تستعد لدخول سورية، للحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، انتهاءً بتسليم فخامة القاتل بشار الأسد بطاقة الدعوة لحضور قمة الرياض.