07 نوفمبر 2024
عريان بالبدلة العسكرية
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
ارتدى الجنرال "أوميغا" كسوة العسكر، فضجّت الجماهير في مواقع التواصل الاجتماعي بالتهليل والتكبير، وكادوا أن ينثروا "الرز" والبامياء. وانتقموا من الحسناء "لولو" الحديدي، بتذكيرنا بمشهد لها، وهي تعيّر محمد مرسي بالحرس وسط الجيش. لكن، هذه المرة مع صور الجنرال "المنضّب" بالبدلة العسكرية، وعليها العلامات الفارقة: صفة الرئيس حتى لا يضيع في صحراء سيناء، وسعره بالرز والبامياء، والإيميل، ورقم الموبايل، فلا يزال غير مصدقٍ أنه الفرعون. خطب خطبة من خطبه العصماء الهيفاء الصافيناز .. ثم راح يتصنع أمام الكاميرا دور الفهمان. العلماء يقولون إن الزي العسكري يربك حتى الحيوانات، خصوصاً الجزمة العسكرية، فهي تثير قلقهم وتجعلهم متوترين. الأزياء البسيطة مريحة لصاحبها وللناظرين إليها.
أذكر أننا، في أثناء التدريب العسكري الجامعي، ونحن نرتدي الزي العسكري، كنا نتحول إلى وحوش، مع أننا وسط الناس، وفي الجامعة، ولسنا في مخيمات أو معسكرات بعيدة عن العمران والناس. كان زملاؤنا يتحرشون بالنساء في الشوارع، وينزعون الزهور، ويحطمون ما تيسر من أشياء في الطريق. ليس مرد ذلك أن الكسوة سحرية، تجعل الإنسان وحشاً، ولا لأنها تجعل لابسها واحداً من كتلة كبيرة صماء، لها قوة عظيمة واحدة، أو برغياً في آلة عملاقة، وإنما لأننا كنا نعلم أن الجيش هو وحش الدولة المعصوم. إلا أن ذلك لم يكن يترجم في حروبنا المعاصرة مع العدو، فحتى الانتصارات المزعومة في حرب رمضان، أو الانتصارات غير الكاملة، أو المغدورة، والتي أرهقنا من الاحتفال بها، كانت ناقصة، فجيوشنا كانت في الهزيمة كالغزال، بسبب الأوامر الصادرة من قيادات ثلثي المرجلة: اهربوا ... أو تتركهم من غير أوامر تحت القصف الجوي لقمة سائغة لذيذة بين أنياب العدو.
ظل الموالون في سورية يتضرعون إلى ماهر الأسد بعد أشهر من الثورة، متوسلين إليه: أبوس رجليك اشلح البيجاما، فعلمنا أن الرئيس عاش عمره بالبيجاما، يقاوم ويمانع في الخنادق مع الفنانات والجميلات بانتظار هذه اللحظة.
من المعروف أن أسامة بن زيد وخالد بن الوليد وطارق بن زياد لم يكونوا بثياب عسكرية موحدة، ولم تكن لهم رتب عسكرية تميزهم عن باقي الجند، ولم يكن الجند يضربون التحية العسكرية خابطين بأقدامهم الأرض. ولم يكن للجيش "نظام منضم". النظام الوحيد والتحية العسكرية الوحيدة كانوا يؤدونها لله تعالى، في الصلوات الخمس، وليس لقائد الجند. وفي إحدى مهمات التجسس، تسرب جاسوس روماني إلى معسكر المسلمين، فوجدهم يتسوكون فعاد مذعوراً إلى قائده، وأخبرهم أنهم يسنون أسنانهم من أجل التهام العدو. أما قادتنا فكانوا يحرصون على أهم أمرين في الهندام العسكري: تلميع الجزمة وحلاقة الذقن. الجيوش المعادية تحبُّ الجنود الحليقين "بشفرة ناسيت"، أما شفرة "جيلت جيتو" فهي تجعل الجندي ناعماً كبشرة باريس هيلتون التي عاشت رعباً لم يعشه أحد من مقالب الجنرال رامز واكل الجو.
وكانت جوقة الجنرال السعيد "واكل" البر والبحر والجو تظهر على التلفزيون، عند التمهيد لترشيح الفريق الذي صار مشيراً، قائلين بصوت واحد، مثل الجنود في النظام المنضم: "يخلع البدلة". محللون متخرجون من جامعات بشهادات يكررون تلك الجملة السحرية. لم يقل واحد منهم إن العسكري الذي عاش عمره في قمقم البدلة يمكن أن يتحول إلى مدني، فهو لا يفهم سوى في الأوامر، وأنه يرتدي جزمة في رأسه. الزي العسكري جلد وأحياناً عظام أيضا.
يتضرع الموالون المتحمسون إلى نجمهم الفحل الذي يمثل دور الرئيس الذي يفهم في العدة والعتاد أمام الكاميرا: خليك لابسها .. وعلى الرغم من الزي والعسكر والجيش، رأينا حارساً يربي "خنازير في صدره"، بتعبير عادل إمام، يحمي جنرالاً مراهقاً في الستين يربي خنازير في رأسه، بتعبير أحمد عمر.
أذكر أننا، في أثناء التدريب العسكري الجامعي، ونحن نرتدي الزي العسكري، كنا نتحول إلى وحوش، مع أننا وسط الناس، وفي الجامعة، ولسنا في مخيمات أو معسكرات بعيدة عن العمران والناس. كان زملاؤنا يتحرشون بالنساء في الشوارع، وينزعون الزهور، ويحطمون ما تيسر من أشياء في الطريق. ليس مرد ذلك أن الكسوة سحرية، تجعل الإنسان وحشاً، ولا لأنها تجعل لابسها واحداً من كتلة كبيرة صماء، لها قوة عظيمة واحدة، أو برغياً في آلة عملاقة، وإنما لأننا كنا نعلم أن الجيش هو وحش الدولة المعصوم. إلا أن ذلك لم يكن يترجم في حروبنا المعاصرة مع العدو، فحتى الانتصارات المزعومة في حرب رمضان، أو الانتصارات غير الكاملة، أو المغدورة، والتي أرهقنا من الاحتفال بها، كانت ناقصة، فجيوشنا كانت في الهزيمة كالغزال، بسبب الأوامر الصادرة من قيادات ثلثي المرجلة: اهربوا ... أو تتركهم من غير أوامر تحت القصف الجوي لقمة سائغة لذيذة بين أنياب العدو.
ظل الموالون في سورية يتضرعون إلى ماهر الأسد بعد أشهر من الثورة، متوسلين إليه: أبوس رجليك اشلح البيجاما، فعلمنا أن الرئيس عاش عمره بالبيجاما، يقاوم ويمانع في الخنادق مع الفنانات والجميلات بانتظار هذه اللحظة.
من المعروف أن أسامة بن زيد وخالد بن الوليد وطارق بن زياد لم يكونوا بثياب عسكرية موحدة، ولم تكن لهم رتب عسكرية تميزهم عن باقي الجند، ولم يكن الجند يضربون التحية العسكرية خابطين بأقدامهم الأرض. ولم يكن للجيش "نظام منضم". النظام الوحيد والتحية العسكرية الوحيدة كانوا يؤدونها لله تعالى، في الصلوات الخمس، وليس لقائد الجند. وفي إحدى مهمات التجسس، تسرب جاسوس روماني إلى معسكر المسلمين، فوجدهم يتسوكون فعاد مذعوراً إلى قائده، وأخبرهم أنهم يسنون أسنانهم من أجل التهام العدو. أما قادتنا فكانوا يحرصون على أهم أمرين في الهندام العسكري: تلميع الجزمة وحلاقة الذقن. الجيوش المعادية تحبُّ الجنود الحليقين "بشفرة ناسيت"، أما شفرة "جيلت جيتو" فهي تجعل الجندي ناعماً كبشرة باريس هيلتون التي عاشت رعباً لم يعشه أحد من مقالب الجنرال رامز واكل الجو.
وكانت جوقة الجنرال السعيد "واكل" البر والبحر والجو تظهر على التلفزيون، عند التمهيد لترشيح الفريق الذي صار مشيراً، قائلين بصوت واحد، مثل الجنود في النظام المنضم: "يخلع البدلة". محللون متخرجون من جامعات بشهادات يكررون تلك الجملة السحرية. لم يقل واحد منهم إن العسكري الذي عاش عمره في قمقم البدلة يمكن أن يتحول إلى مدني، فهو لا يفهم سوى في الأوامر، وأنه يرتدي جزمة في رأسه. الزي العسكري جلد وأحياناً عظام أيضا.
يتضرع الموالون المتحمسون إلى نجمهم الفحل الذي يمثل دور الرئيس الذي يفهم في العدة والعتاد أمام الكاميرا: خليك لابسها .. وعلى الرغم من الزي والعسكر والجيش، رأينا حارساً يربي "خنازير في صدره"، بتعبير عادل إمام، يحمي جنرالاً مراهقاً في الستين يربي خنازير في رأسه، بتعبير أحمد عمر.
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر
مقالات أخرى
24 أكتوبر 2024
10 أكتوبر 2024
26 سبتمبر 2024