عرب الأوليمبياد: الجزائر وآخرون
مرّ خبر مباراة لاعبة التايكوندو السعودية ضد منافستها الصهيونية في أوليمبياد باريس الأسبوع الماضي من دون أن يثير ذلك الجدل الصاخب بين الجماهير السعودية والعربية بشأن التطبيع وعدمه، إذ بدا الأمر هذه المرّة وكأن اللعب مع الصهاينة صار عاديّاً. في مناسبات سابقة، كان الاشتباك بشأن الموقف المبدئي من التطبيع الرياضي مع العدو يُفضي إلى اعتبار المشاركة بحد ذاتها هزيمة، بغضّ النظر عن نتيجة المباراة. أما هذا المرّة فقد كان المعيار الغالب على المناقشات هو المكسب، بحيث تصبح ملاعبة السعودية الصهيونية مبرّرة، إذا كانت حظوظ الأولى في الفوز مضمونة، على اعتبار أن الانتصار هنا هو على إسرائيل نفسها، وإعلانٌ عن القوة السعودية الصاعدة في الرياضة والسياسة كذلك، وليس مجرّد فوز لاعبة على أخرى.
صمت القبور ساد جماهير الإعلام السعودي، المحترف والاجتماعي على السواء، بعد انهزام السعودية أمام لاعبة تايلاندية بعد هذه المباراة بنتيجة 3- 20 في مباراة افترست فيها التايلاندية منافستها بعد دقائق من افتراسها لاعبة مغربية بنتيجة أشد كارثية (1-20)، فسكت الكلام عن الفوز على إسرائيلية في المباراة التي لم تفجّر الجدل نفسه حول قضية التطبيع الرياضي.
لستُ في حاجة للتذكير بأن الاستسهال في مشاركة الكيان الصهيوني رياضيّاً في ظرف يعاني فيه الشعب الشقيق جراح نكبة أسوأ من النكبة الأولي هو عارٌ مضاعفٌ على كل بلد عربي يأمر لاعبيه بعدم الانسحاب، لكن الواقع يقول إن أي عارٍ رياضي، مهما كانت فداحته، لا يُقارن بالعار السياسي الذي يلاحق النظام الرسمي العربي، والذي يجعله، بلغة الرياضة، يلعب مع إسرائيل ضد فلسطين منذ أكثر من عشرة أشهر على العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني في غزّة.
في الحالة السعودية، تفرض المقارنة نفسها بين السعودية 2015 التي رفضت مواجهة منتخب فلسطين في رام الله عام 2016 تعفّفًا عن التطبيع ممثلاً في وقوف بعثتها للحصول على أختام الدخول من سلطات الاحتلال، والسعودية الجديدة للغاية كما ظهرت في أوليمبياد طوكيو 2021، حين أجبرت لاعبة الجودو السعودية على لعب مباراة مع صهيونية انتهت بنتيجة صفر مقابل 11 لمصلحة الإسرائيلية مع مصافحتها ثلاث مرات، في ظل غضب جماهيري ضد خوض المواجهة من حيث المبدأ، لنصل إلى باريس 2024 ويصبح الحزن على النتيجة وليس على المبدأ المهدر.
ما جرى مع اللاعبات السعوديات تكرر غير مرّة مع لاعبين ولاعبات مصريات وعرب، باستثناء الجزائر التي تضرب المثل في كل مناسبة يوضع فيها لاعبوها أمام هذا الاختبار الوجودي والأخلاقي، وجديدها أخيراً واقعة لاعب الجودو مسعود رضوان دريس الذي أوقعته المصادفة امام مباراة ضد لاعب صهيوني فآثر الانسحاب متعفّفًا عن ميدالية في أوليمبياد باريس، كان شرطها اللعب مع الإسرائيلي.
المنطق الهزلي الذي يطرحه المتحمّسون للعب مع العدو باعتبار ذلك نوعاً من القوة وشجاعة المواجهة من أجل الانتصار على إسرائيل رياضيّاً، باعتباره انتصاراً قوميّاً ووطنياً، من أسخف المبرّرات التي يمكن ان تسمعها، إذ تسقط هذه الحجّة تحت أقدام أصحابها حين تكون المحصلة خسارة المباراة، عندها تسكت أصوات حتمية عدم الهروب من مواجهة الكيان، ليبدأ العزف على أنها مجرّد منافسة تنحصر بين لاعبين اثنين ولا تتحمل اكثر من ذلك.
الشاهد أن المكسب والخسارة أمام العدو رياضيًا يستويان فكلاهما هزيمة وخذلان للشعب الفلسطيني، ما يجعلنا نقول إنه لو لم يكن في سجل الجزائر الرياضي سوى أن لاعبيها يرفضون التنافس مع صهاينة الكيان اللقيط، فإن هذا يكفيها لتصبح صاحبة أهم إنجاز رياضي بين الدول العربية.