عراقٌ في عين العاصفة
قدّم رئيس الوزراء العراقي، محمد شيّاع السوداني، معلومات أسرته لموظّفي التعداد الأسبوع الماضي، في لقطات عرضتها شاشات التلفزيون، وهو مبتسم ويضحك مع الموظّفين كعادته، ما يدلّ على حالة من الهدوء النفسي والطمأنينة، في وقت كان بعض السياسيين العراقيين يكتبون في مواقع التواصل الاجتماعي عبارات قلقة ومحذّرة من الهجوم الإسرائيلي المحتمل على العراق، وجديدها أخيراً ما كتبه رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي على صفحته في موقع إكس: "اللحظة الإقليمية والدولية لحظة تحوّلية، خطيرة وخطرة، وعراقنا في عين العاصفة".
في "عين العاصفة"، يستمرّ السوداني بافتتاح مشاريع المجسّرات داخل بغداد، والتي تهدف إلى تخفيف الزحامات والاختناقات المرورية في العاصمة، وهي خطوة يشكّك في أهميّتها بعضهم، ولا يرون فيها إلّا جانباً دعائياً، كما أن رئيس الوزراء أشرف على تنفيذ خطّة التعداد العام للسكّان، في يوم الأربعاء الماضي (20 نوفمبر/ تشرين الثاني).
يسجّل المؤيدون لرئيس الوزراء هذه الخطوة في خانة "الإنجازات"، وأنه نجح فيما تلكّأ عنه رؤساء وزراء سابقون خلال السنوات الماضية، وأن هذا التعداد الأول من نوعه منذ تعداد 1997، له ضرورات تنموية واقتصادية، ولكن ما جرى هو مُجرّد إحصاء للنفوس والمواليد (حتى الآن)، وهي حصيلة لا تستوجب تخصيص أكثر من 900 مليار دينار عراقي لإنجازها، بحسب بعض المراقبين. غير أن الحكومة استدركت معلّقة أن هذه مُجرَّد جولة أولى، وهناك جولة ثانية (لم يحدّد موعدها بعد) لإحصاء التفاصيل التنموية، من بطالة وسكن ومستوى معيشي وما إلى ذلك.
في "عين العاصفة" السياسية في العراق، لن يبدو السوداني مرتاحاً وهو يرى تداعيات قضيّة التجسّس، التي اتُّهم فيها موظّفون في مكتبه، وأُلقي ببعضهم في السجن، وكيف أن أجهزة التنصّت قد زرعت حتى في غرف زوجات بعض السياسيين النافذين بالبلد. ولهذا، فإن هناك من يقول إن أحزاب الإطار التنسيقي (الشيعي) لن تمنح السوداني ولايةً ثانيةً، مثلما يتمنّى ويرغب، حتى إنها، خلال الأشهر القادمة حتى موعد الانتخابات البرلمانية، ستعمل لمنعه من تشكيل كيان سياسي يشارك في الانتخابات. ومن يقف وراء هذه التحرّكات، كما تقدّر بعض التخمينات، هو رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي ما زال يتمتّع بسطوة ونفوذ داخل "التنسيقي". والسبب في ذلك كلّه طبعاً، ليس موضوع التجسّس فحسب، وإنما الخوف من ظهور منافس جديد يعيد ترتيب الطاولة وحصص الأحزاب الشيعية من جديد. وهذا الخوف، وللمفارقة، صنعه وأنتجه نوري المالكي نفسه في ولايتَيه، وسجّل سابقةً في ألّا تُترَك صلاحيات كبيرة في يد رئيس الوزراء.
رئيس الزوراء شياع السوداني، وبقية زعماء "الإطار التنسيقي"، وبقية السياسيين من السنّة والكرد وغيرهم، يكادون يجمعون، في تصريحاتهم الإعلامية المختلفة، على ضرورة إبعاد العراق عن "عين العاصفة"، ولكن هذا الإجماع النادر لم يتمخّض عنه (حتى الآن) أيّ إجراءات ملموسة في أرض الواقع، والسبب في ذلك، ليس مُجرَّد ضعف قدرة الدولة على ضبط السلاح المنفلت داخل العراق، الذي يمكن استخدامه بأشكال متنوّعة، بحسب الميول والأغراض السياسية لأصحاب السلاح، وإنما بسبب "الحرج الأخلاقي"، فهم في خطاباتهم لا يستطيعون اتهام السلاح المنفلت علانيةً، لأن جزءاً من هذا السلاح يُستخدَم تحت عنوان "المقاومة"، حتى وإن كان قرار المقاومة غير خاضع للدولة العراقية.
كما أن الخطوط غير واضحة ما بين سلاح المقاومة وأشكال السلاح الأخرى غير الخاضعة لسلطة الدولة، لذلك تعتمد الحكومة على تضخيم خطاب التخويف من الهجمات الإسرائيلية المحتملة، كي يكون رادعاً بذاته، بالإضافة إلى التفاوض المستمرّ من خلف الكواليس مع الجهات السياسية القريبة من سلاح المقاومة، ونقل بعض المعلومات الاستخبارية من الجانب الأميركي، التي ترشّح أن الهجمات الإسرائيلية جديّة وستحدث خلال أيّام، كما كتب بعض المدوّنين العراقيين.
في "عين العاصفة"، لا يبدو الزمام بيد الدولة العراقية، وإنّما بيد التدافعات الإقليمية والدولية، وهي التي ستحدّد وضع العراق، وهل سيكون في عين العاصفة فعلاً أم يستطيع تجاوزها.