صحيفة العربي الجديد.. شمعة رابعة

01 سبتمبر 2017
+ الخط -
نحتفل غداً بإشعال شمعة رابعة على طريق صحيفة العربي الجديد التي ولدت في خضم التحولات الكبيرة في العالم العربي، لتكون شاهدةً على الزمن العربي الجديد والصعب، وها هي تواصل مسارها، لتواكب كل يوم أوضاعاً عربية وعالمية، تزداد تعقيداً ورداءة.
ليست مهمة الصحافة الاسترخاء على مقعد وثير، أو الإطلالة من برج عاجي، بل تتجلى رسالتها في العمل وسط المصاعب والمتاعب. ولم يكن عالمنا العربي أحسن حالاً مما هو عليه الآن، فالجمر الذي يشعل الحقول والصحارى العربية اليوم كان يعتمل تحت الرماد منذ وقت طويل، وحينما هبّت رياح الربيع من تونس في نهاية عام 2010، كي تبشر بزمن عربي جديد، وقفت لها بالمرصاد قوى الاستبداد والثورة المضادة في مصر وسورية وليبيا واليمن، فحوّلت اللحظة التاريخية إلى كابوس طويل، وأغرقت الحلم العربي في بحر من الدماء.
كانت السنة المنصرمة من عمر "العربي الجديد" ذات لون خاص وحافلة بالمعاني والدروس، ليس فقط على مستوى عملنا والخطوات التي قطعناها في مسارنا المهني، وإنما على صعيد تجربة وسائل الإعلام والصحافة العربية ككل، حيث واجه الجميع امتحان أزمة الخليج الراهنة التي بدأت باعتداء قراصنة أبوظبي على وكالة الأنباء القطرية ليل 23 مايو/ أيار الماضي. ووضعت عملية القرصنة وسائل الإعلام، منذ اليوم الأول، أمام سؤالين رئيسيين. حرية التعبير والمصداقية. ولم تقتصر الإجابة على وسائل إعلام دول الأزمة، بل سحب الأمر نفسه على وسائل الإعلام الدولية التي عاشت التداعيات بأشكال مختلفة.
منذ اليوم الأول للأزمة، كان علينا في "العربي الجديد" أن نواجه حرباً إعلامية شرسة، جاءت لتهدد باجتياحنا ومنعنا من الوجود، فقد كان أحد مطالب دول الحصار إغلاق موقع وصحيفة العربي الجديد، وذلك بعد فشل إجراءات الحجب في بلدان الحصار منذ ثلاثة أعوام. وعلى الرغم من أننا لم ننجر إلى منطق الحملات والحروب الإعلامية، فقد كان سيف الحصار مسلطاً علينا، بغرض إغلاق نافذة الضوء التي فتحناها في جدار الظلام والقمع والرأي الواحد، وإعادة عجلة الإعلام إلى الوراء، بعد الثورة الإعلامية التي شهدتها المنطقة في العقود الثلاثة الأخيرة.
واجهت "العربي الجديد" الحرب الإعلامية بحرفية. ولذا حافظت على رصيدها المهني والأخلاقي، ولم تنجر إلى الافتراءات والأكاذيب والردح، ولم تهتز أمام الترويج الرخيص، وبقيت على عهدها مع الرأي العام الذي بنت معه جسراً متيناً، منذ اليوم الأول لصدورها، أساسه المصداقية. وعند مربط الفرس هذا، لاحظ المتابعون للأزمة الحالية انهيار صحفٍ كانت تقف قبل ذلك في الصف الأول بين وسائل الإعلام المهنية، لكن سيرها في ركاب الافتراء والتزوير، منذ الأيام الأولى، أفقدها مصداقيتها.
شكلت الأزمة كشّافاً، وبان، بصورة واضحة، الخيط الفاصل بين الإعلام المهني الذي يحترم القارئ العربي والإعلام الذي يحترف التزوير والفبركة والتطبيل للرياض وأبوظبي والقاهرة، التي باتت في آخر قائمة التصنيف، من حيث مصداقية الإعلام وحرية التعبير.
ربّ ضارة نافعة. من إيجابيات الأزمة أنها سلطت الضوء على أهمية وجود إعلام آخر، غير الذي تسيطر عليه السعودية والإمارات من جهة، وكشفت للرأي العام، من جهة ثانية، المستوى الهابط لإعلام الدولتين، الأمر الذي ينسحب على خطابهما في السياسة والثقافة والاقتصاد.
في وسعنا في "العربي الجديد" أن نفخر بأننا منبر إعلامي جعل من الدفاع عن حرية التعبير قضيته الأساسية في كل زمان ومكان، لم يساوم أو يهادن بشأنها، ويأخذ من المصداقية جواز سفر إلى القراء العرب الذين كبروا على منطق الإعلام الأحادي المسخّر للدعاية والافتراء والتزوير.
"العربي الجديد" تتقدم للأمام نحو آفاق أرحب، ومعها القراء العرب الذين تعتز بهم من المحيط إلى الخليج.
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر