18 نوفمبر 2024
صاحب البلد: عمرو أديب أم المواطن مصري؟
منتهى الكرم والمروءة من السيد عمرو أديب، محتسب الوطنية المصرية، أن يطلب من المصريين العائدين من كورونا، المعترضين على تدني ظروف الإقامة في حظائر الحجْر الصحي، أن يعودوا من حيث أتوا، ونحمد الله على أنه لم يقترح على السفارات المصرية في الخارج أن تتصرّف في أمورهم فتعالج المسألة من المنبع، على الطريقة القنصلية الشهيرة، التي يعيش أديب في كنف مخترعيها.
تدهشك هذه البجاحة في كلام عمرو أديب باعتباره معيار الوطنية المصرية، حتى تشعر كما لو أن مصر كانت " هبة الأستاذ أديب"، لكن دهشتك سوف تتضاعف بالتأكيد إذا عرفت أن حسني مبارك اندهش بشدة حين علم أن عماد الدين أديب، وبالتبعية عمرو أديب، مصري الجنسية، إذ كان يظن طوال الوقت أن ليس مصريًا، إلى الحد الذي جعله يتنفس الصعداء حين سأل فقالوا له إنه مصري. وهذه القصة رواها عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة صحيفة المصري اليوم في مقال نشره بعد وفاة مبارك.
لا نشكك أو نسخر من مبالغات عمرو أديب الدرامية في إظهار مصريته بالطبع، لكن فقط من المهم التذكير بأن هؤلاء العائدين من الخارج يموّلون الاقتصاد المصري بأكثر مما يحصل عليه النظام من قروض ومساعدات، مع فارق أساس، هو أن هؤلاء الثابتة مصريتهم عملًا وفعلًا على نحو أصدق من أي سفيه يتطاول عليهم، لا يفرضون شروطًا ماسّة بالاستقلال الوطني وهم يضخّون الأموال في شرايين الاقتصاد، كما يفعل الدائنون والجهات المانحة.
على أن الأسوأ من هذا التوحش ضد العائدين من كورونا إلى وطنهم هو تآكل حدوده الوطن، حتى تصير مساحته هي المنطقة المحصورة فيما تراه السلطة وطواقم الحراسة الإعلامية الأمنية المتحلقة حولها، إذ لم يذكر التاريخ، حتى في أعتى النظم الاستبدادية، أن مذيعًا أو صحافيًا انتزع لنفسه سلطة تحديد من هو المواطن ومن هو غير المواطن، أو منح نفسه حق تقرير مصير أشخاصٍ كاملي المواطنة والوطنية، ويقرّر رجوعهم من عدم رجوعهم إلى بلادهم.
لكن السيد عمرو أديب المنتفخ غطرسة وتفاهة فعلها، مدفوعًا بإحساس الواثق من أن ما يقوله يوافق هوى السلطتين اللتين يتفانى في خدمتهما: سلطة المال والنفوذ السعوديين، ممثلة في تركي آل الشيخ، أولًا.. ثم سلطة القمع والطغيان العسكري، ممثلة في عبد الفتاح السيسي، ثانيًا أو تاليًا أو تابعًا.
ينطلق عمرو أديب، وهو ينهال بالسباب والتهديد والوعيد على المصريين العائدين من السعودية فرارًا من كورونا، والذين حبستهم السلطات المصرية في عنابر، أشبه بمقار حبس للحشرات الزاحفة والطائرة، تسمّى مدنًا جامعية، ينطلق من ذلك الشعور الهائل بأنه ليس مجرد مذيع، بل هو الوطن نفسه، وإن لم يكن هو مصر شخصيًا، فإنه على أقل تقدير هو مدير أعمالها والمتحدّث باسمها، ومن ثم من سلطاته أن يقرّر من يرجع إليها ومن لا يرجع، ويقول بلهجة حاسمة: من يعترض على العيش في ظروفٍ تألم منها الحيوانات، فليرجع إلى حيث أتى.
عقيدة ترانسفير راسخة لا تختلف عن ممارسات الصهاينة الأوائل بحق الفلسطينيين، أصحاب الأرض، بما تشمله من إجراءات إبعاد وتهجير وتطهير عرقي واستئصال، تلك العقيدة التي ظهرت بظهور نظام عبد الفتاح السيسي، معلنًا منذ اليوم الأول هرولته نحو الرضا الصهيوني الذي يوفر له دعمًا سياسيًا في الدوائر الدولية.
هذا المنطق الذي تحدّث به عمرو أديب دشنه عبد الفتاح السيسي مبكرًا، حين قرّر أن المصري الجيد هو المصري المؤيد الموافق الساكت الصامت، الذي إن تكلم لا يكون كلامه إلا هتافًا للزعيم وللنظام، بينما المصري السيئ هو من يؤمن بفكرة أو يتمسّك بمبدأ ووجهة نظر في السياسة والاقتصاد والحياة عمومًا، أو من يتكلم ويعارض ويحتج ويغضب، أو حتى يناقش.
ظهرت هذه النزعة الإقصائية على لسان السيسي، قبل ثلاث سنوات، في أحد مؤتمراته المنصوبة للثرثرة حين قال نصًا "أي شخص ينتمي لأي تيار سياسي أو ديني أو طائفي معلش يستريح شوية، ولو اكتشفنا شخص بالنوع ده هنبعده، ليس فقط من الجيش والشرطة، بل من الدولة المصرية ككل، لأنه يركز على خدمة مصالحه وانتماءاته".
هذه الروح الاستئصالية أخذت طريقها إلى البرلمان، بسرعة فائقة، لإقرار تعديلات على قانون الجنسية تهدف إلى سحب الجنسية المصرية من معارضي النظام في الخارج والداخل.
ليست المسألة متوقفة على عمرو أديب فقط، بل تشمل فيلق الهجانة والهجامة الممسكين بالهراوات والنبابيت في الإعلام السيسي، والذين يلتصقون بالسلطة حد التماهي الكامل فيتصوّرون في لحظات أنهم صاروا السلطة ذاتها، وليسوا فقط أبواقها الزاعقة بما تريد، وكان التجلي الأكبر لهم مع لحظة الرفض الشعبي لبيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، لينهالوا بالاتهامات بالخيانة والعمالة والإلحاد بالوطن على كل من تظاهر أو احتج على التفريط في الأرض المصرية.
تدهشك هذه البجاحة في كلام عمرو أديب باعتباره معيار الوطنية المصرية، حتى تشعر كما لو أن مصر كانت " هبة الأستاذ أديب"، لكن دهشتك سوف تتضاعف بالتأكيد إذا عرفت أن حسني مبارك اندهش بشدة حين علم أن عماد الدين أديب، وبالتبعية عمرو أديب، مصري الجنسية، إذ كان يظن طوال الوقت أن ليس مصريًا، إلى الحد الذي جعله يتنفس الصعداء حين سأل فقالوا له إنه مصري. وهذه القصة رواها عبد المنعم سعيد رئيس مجلس إدارة صحيفة المصري اليوم في مقال نشره بعد وفاة مبارك.
لا نشكك أو نسخر من مبالغات عمرو أديب الدرامية في إظهار مصريته بالطبع، لكن فقط من المهم التذكير بأن هؤلاء العائدين من الخارج يموّلون الاقتصاد المصري بأكثر مما يحصل عليه النظام من قروض ومساعدات، مع فارق أساس، هو أن هؤلاء الثابتة مصريتهم عملًا وفعلًا على نحو أصدق من أي سفيه يتطاول عليهم، لا يفرضون شروطًا ماسّة بالاستقلال الوطني وهم يضخّون الأموال في شرايين الاقتصاد، كما يفعل الدائنون والجهات المانحة.
على أن الأسوأ من هذا التوحش ضد العائدين من كورونا إلى وطنهم هو تآكل حدوده الوطن، حتى تصير مساحته هي المنطقة المحصورة فيما تراه السلطة وطواقم الحراسة الإعلامية الأمنية المتحلقة حولها، إذ لم يذكر التاريخ، حتى في أعتى النظم الاستبدادية، أن مذيعًا أو صحافيًا انتزع لنفسه سلطة تحديد من هو المواطن ومن هو غير المواطن، أو منح نفسه حق تقرير مصير أشخاصٍ كاملي المواطنة والوطنية، ويقرّر رجوعهم من عدم رجوعهم إلى بلادهم.
لكن السيد عمرو أديب المنتفخ غطرسة وتفاهة فعلها، مدفوعًا بإحساس الواثق من أن ما يقوله يوافق هوى السلطتين اللتين يتفانى في خدمتهما: سلطة المال والنفوذ السعوديين، ممثلة في تركي آل الشيخ، أولًا.. ثم سلطة القمع والطغيان العسكري، ممثلة في عبد الفتاح السيسي، ثانيًا أو تاليًا أو تابعًا.
ينطلق عمرو أديب، وهو ينهال بالسباب والتهديد والوعيد على المصريين العائدين من السعودية فرارًا من كورونا، والذين حبستهم السلطات المصرية في عنابر، أشبه بمقار حبس للحشرات الزاحفة والطائرة، تسمّى مدنًا جامعية، ينطلق من ذلك الشعور الهائل بأنه ليس مجرد مذيع، بل هو الوطن نفسه، وإن لم يكن هو مصر شخصيًا، فإنه على أقل تقدير هو مدير أعمالها والمتحدّث باسمها، ومن ثم من سلطاته أن يقرّر من يرجع إليها ومن لا يرجع، ويقول بلهجة حاسمة: من يعترض على العيش في ظروفٍ تألم منها الحيوانات، فليرجع إلى حيث أتى.
عقيدة ترانسفير راسخة لا تختلف عن ممارسات الصهاينة الأوائل بحق الفلسطينيين، أصحاب الأرض، بما تشمله من إجراءات إبعاد وتهجير وتطهير عرقي واستئصال، تلك العقيدة التي ظهرت بظهور نظام عبد الفتاح السيسي، معلنًا منذ اليوم الأول هرولته نحو الرضا الصهيوني الذي يوفر له دعمًا سياسيًا في الدوائر الدولية.
هذا المنطق الذي تحدّث به عمرو أديب دشنه عبد الفتاح السيسي مبكرًا، حين قرّر أن المصري الجيد هو المصري المؤيد الموافق الساكت الصامت، الذي إن تكلم لا يكون كلامه إلا هتافًا للزعيم وللنظام، بينما المصري السيئ هو من يؤمن بفكرة أو يتمسّك بمبدأ ووجهة نظر في السياسة والاقتصاد والحياة عمومًا، أو من يتكلم ويعارض ويحتج ويغضب، أو حتى يناقش.
ظهرت هذه النزعة الإقصائية على لسان السيسي، قبل ثلاث سنوات، في أحد مؤتمراته المنصوبة للثرثرة حين قال نصًا "أي شخص ينتمي لأي تيار سياسي أو ديني أو طائفي معلش يستريح شوية، ولو اكتشفنا شخص بالنوع ده هنبعده، ليس فقط من الجيش والشرطة، بل من الدولة المصرية ككل، لأنه يركز على خدمة مصالحه وانتماءاته".
هذه الروح الاستئصالية أخذت طريقها إلى البرلمان، بسرعة فائقة، لإقرار تعديلات على قانون الجنسية تهدف إلى سحب الجنسية المصرية من معارضي النظام في الخارج والداخل.
ليست المسألة متوقفة على عمرو أديب فقط، بل تشمل فيلق الهجانة والهجامة الممسكين بالهراوات والنبابيت في الإعلام السيسي، والذين يلتصقون بالسلطة حد التماهي الكامل فيتصوّرون في لحظات أنهم صاروا السلطة ذاتها، وليسوا فقط أبواقها الزاعقة بما تريد، وكان التجلي الأكبر لهم مع لحظة الرفض الشعبي لبيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، لينهالوا بالاتهامات بالخيانة والعمالة والإلحاد بالوطن على كل من تظاهر أو احتج على التفريط في الأرض المصرية.