سورية في الأزمة العالمية مكسر عصا
نقرأ ونسمع بكثافة، منذ العامين المنصرمين وربما أبكر قليلًا، من دون أن نغفل كورونا عاملا مؤثرا جدًّا، أن خطر نقص السلع والمواد الخام يتهدّد العالم، وأن نقصًا في مواد غذائية وصناعية هامة يؤدّي إلى ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وهذه حقيقة بات أي إنسان في بقاع الأرض يلمسها ويعيشها، حتى في أوروبا، ترتفع الأسعار بتسارعٍ لافت، من دون أن تواكبها زيادة مناسبة في الرواتب والأجور، أو في دخل الفرد، فكيف في بلداننا شبه المنهارة، حيث أقصى طموح لغالبية الشعب ينحصر في تأمين الرغيف؟
ومؤكّدٌ أيضًا أن النظام العالمي يعاني من أزماتٍ عديدة، ولا بدّ من البحث عن حلول وبدائل تعيد توزيع مراكز القوّة أو تمكينها، ما يمكن القول فيه: إن العرش الذي يتربّع عليه قادة العالم هو الرجراج، وهو الذي يعاني من اهتزاز كلّ حين ويحتاج إلى صيانة وإعادة تدعيم واستقرار، وما نشهده اليوم من توتر على هامش الأزمة الأوكرانية أكبر دليل، وأكثر ما يجعل المرء يعصب رأسه، أمام كارثة تجثم في وجه البشرية ولا حيلة له فيها.
العرش الذي يتربّع عليه قادة العالم هو الرجراج، وهو الذي يعاني من اهتزاز كلّ حين
ازداد تعداد سكان الأرض بطريقةٍ تبدو مخيفة، وهو مرشّح للازدياد أكثر، وتعقدت الحياة وصارت أكثر تطلّبًا في ظل الحياة العصرية التي تفرضها الثورة الرقمية المتمادية على مناحيها، وتلقي فيها الشركات والمعامل ما يعزّز جموح هذه الثورة اللامحدود، فتزيد في توريط البشرية بهذا النمط من الحياة، المرتبط بما تجود به ابتكاراتها، هذا التحوّل السريع والنهم في شكل الحياة الراهنة يحتاج المزيد من الموارد التي تطلبها المنتجات، والمزيد من المستهلكين. لذلك، النزاع على الهيمنة على ما يخدم الاقتصاد ويؤمن موارده سيزداد وستبقى البشرية كلها تعيش مع القلق والتهديد الوجودي.
ما سبق معروف، لكن ما يهمّ هذه المقالة منه وضع سورية ومكانها ممّا يحصل، ليس بأنها أحد اللاعبين، لا سمح الله، فهذا أمرٌ يدعو إلى الضحك، خصوصا في ما وصلت إليه وكثرة اللاعبين بمصيرها، لكن موقعها الجغرافي، في الدرجة الأولى، هو ما جرّها إلى أن تكون من الملاعب الهامّة للكبار، أو أولئك الطامحين بأن يكونوا كبارًا، أو على الأقل "فتوات" إقليمية. ومن هذا المنطلق، ما يحصل حاليًّا في سورية يدعو إلى مزيد من القلق، ومزيد من اليأس من إمكانية وجود حلول قريبة للمعضلة السورية، فالتدريبات في البحر الأبيض المتوسط هي إحدى حلقات مناورات البحرية الروسية واسعة النطاق، والتي تجري الآن في أجزاء مختلفة من المحيطات.
"القيصر" الروسي لا يسمع عويل السوريين الذي يصل إلى المريخ
يقول الخبير العسكري، فلاديمير غونداروف، بحسب ما كتبت أولغا بوجيفا، في "موسكوفسكي كومسوموليتس"، نشره موقع روسيا اليوم بالعربية: "هناك ثلاث مجموعات من حاملات الطائرات. واحدة إيطالية تعمل باستمرار في البحر الأبيض المتوسط؛ واثنتان أخريان، فرنسية وأميركية، تقودهما حاملات طائرات نووية. في الوقت نفسه، وصلت سفننا الصاروخية إلى البحر الأبيض المتوسط، وهي مُصمَّمة لتدمير حاملات الطائرات لإثبات قدراتنا المحتملة في مثل هذه التدريبات، يبدو أننا نحذرهم: يا شباب، إذا لم تنضبطوا واستمريتم في محاولة الهيمنة في البحر الأسود، فيمكننا أيضا أن نكشّر عن أنيابنا". يعني على رأي المثل السوري: العرس في دوما والطبل في حرستا. ويبدو أن روسيا تكشّر عن أنيابها بالفعل، ليس من الآن، وإنما منذ سنوات، فهي بحاجة أيضًا إلى "استعراض قدراتها العسكرية في مواجهة حاملات الطائرات الأميركية"، كما جاء في مقالة الكاتبة. أما المحلل السياسي، ألكسندر نازاروف، فيرى في مقالة منشورة في الموقع عينه، روسيا اليوم، في 17 فبراير/ شباط الجاري، أن "لدى روسيا طريقة وحيدة فقط للخروج من هذه الدوامة منتصرة. يمكن لروسيا أن تتجنّب أفغانستان ثانية في أوكرانيا، وألّا تتعارك مع أوروبا فقط إذا حوّلت الصراع إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، وليس حول أوكرانيا، أو على أراضي "الناتو"، وليس حول قضية تجرّ أوروبا تلقائياً إلى الصراع"، وأن على بوتين كما "يفهمه" الكاتب، "وبعد أن تهرّب من الحرب في أوكرانيا (يقصد في 16 من فبراير/ شباط الجاري، عندما قال إنه سحب جزءًا من قواته)، أن "يتحوّل إلى الهجوم". وبالعودة إلى سورية، كما يقول، فإن الولايات المتحدة "تحتلّ جزءاً من أراضي الجمهورية العربية السورية بشكل غير شرعي. علاوة على ذلك، يعمل الإرهابيون بحرية في تلك المنطقة. لا أعرف خطط بوتين، لكنني "لو كنت مكانه"، لبدأت على الفور بتمشيط هذه المنطقة، وطرد الأميركيين من سورية. وإذا وقف الجنود الأميركيون إلى جانب الإرهابيين، فيتعين أيضاً تدميرهم"، ويخلُص إلى أنه: "إذا ما قرّرت واشنطن استخدام القوة العسكرية للحفاظ على وجودها في سورية، فإن لدى روسيا ما ترد عليها به. ولن يؤدّي ذلك سوى إلى تسريع خسارة الولايات المتحدة عالمياً".
الشعب السوري مرشّح إلى مزيد من الكوارث والقتل والتجويع والتهجير فوق أرضه، لا يوجد في الأفق ما يوحي بحلّ لأزمته
في النتيجة، الشعب السوري، المرشّح إلى مزيد من الكوارث والقتل والتجويع والتهجير فوق أرضه، لا يوجد في الأفق ما يوحي بحلّ لأزمته، وسورية ربما باقية إلى أمد غير معلوم في وضعها الراهن، حيث سلطات الأمر الواقع التي تتشارك جميعها في إدارة الأزمة وإطالتها بما يخدم مصالحها، وتساهم في السياسة الدولية حول سورية بموجب أجنداتها وموازين القوى بالنسبة إليها، وها هو المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون، يعد من دمشق بجولة سابعة في الشهر المقبل (مارس/ آذار)، بعد أن جال على عدد من الدول "المعنية" بالشأن السوري، خصوصا وأن القضية معلّقة حول "الاتفاق" على كيفية المضي في اليوم الخامس من اجتماع اللجنة الدستورية "قد يكون لدينا اتفاق في اليوم الخامس".
ولن تدير روسيا أذنها الرحيمة لمعاناة الشعب السوري التي حكى عنها، بالمختصر، وزير الخارجية، فيصل المقداد، في مقابلة مع تلفزيون روسيا اليوم، خلال زيارته أخيرا روسيا بعد أن وصف العقوبات الاقتصادية الغربية على سورية بأنها "لا أخلاقية"، قال: "عندما يواجه المواطن الآن أزمة حقيقية في لقمة العيش، ويواجه الأطفال مشكلة عدم وجود كميات حليب كافية لهم، وعندما نواجه مشكلة أساسية في توفير الدواء لشعبنا، وعندما نواجه مشكلة حقيقية في مواجهة الإرهاب، فإن من يخلق هذه المشكلات للوصول إلى غايات وأهداف سياسية هي الدول نفسها التي تفرض عقوبات على الشعب الروسي"، لكن "القيصر" الروسي لا يسمع عويل السوريين الذي يصل إلى المريخ.
هذا هو حال السوريين وموقعهم من الأزمة العالمية، الأزمة التي سيديرها أقوياء العالم، وستنتهي في النتيجة كما انتهت أزمات قبلها، من دون أن يكون لهم ترتيب، شعبا من حقه أن "يعيش"، في أولويات العالم الجديد. مؤسفٌ أن يكون المستقبل بهذه القتامة، لكن ليس في الأفق ما يدعو إلى الاستبشار.