سقطة الإخوان المسلمين
امتنعت جماعات الإخوان المسلمين في البلاد العربية عن نعي أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، الذي قضى شهيداً في اعتداءٍ إسرائيليٍّ على لبنان. وكان الظنّ أن التنظيم العالمي (وليس الدولي بالمناسبة) للجماعة قد أدرك، منذ زمن، وبفعل عواصفَ ومتغيّراتٍ غير قليلة، معنى السياسة وجوهرها، غير أن هذا الظنّ لا ينفكّ يُثبت خطأه، مرّاتٍ بعد مرّات، فالنعي الغائب لا ينتسب فقط إلى مناقبيّةٍ رفيعةٍ، وسموٍّ مطلوب، وإنما أيضاً إلى السياسة، بوصفها، في مستوىً ما، احتكاكاً مع المختلف والمُغاير، ووقوعاً على المشتركات بين المتعاكسين، واقتراباً من مساحات الممكن من التوافقات والتسويات. وليس هناك ما هو أشدّ إلحاحاً في راهن الأمة العربية (والإسلامية لزوماً) من صنيعٍ سياسيٍّ من هذا اللون، فالحساسيات والتوترات (والمنازعات) في غير بلد عربي بين المكونيْن، السنّي والشيعي، تُفصح عن نفسها بكيفياتٍ منظورةٍ وأخرى غير منظورة. ولذلك، كان شديد الضرورة أن يصدُر عن مشيخة الأزهر بيانٌ، يأسف لاغتيال زعيمٍ عربيٍّ مسلمٍ يقود حزباً مقاوماً، نالت منه يد الوحش الإسرائيلي في جريمة مشهودة. وليس مطلوباً من بيانٍ كهذا أن يتعامى عما قارفه حزب الله في سورية، وكان في وسع صياغةٍ له على شيءٍ من الاتّزان أن تقول ما يحسُن أن تقوله مؤسًسة الأزهر، والتي تُحسب عنوانا للمسلمين السنّة، ما كان سيُحدث عظيم الأثر الطيّب في رتق شقوقٍ في الأمة.
لا يعود الأسف من عدم مبادرة أيّ من جماعات الإخوان المسلمين العربية إلى إعلان بيانٍ لم ينكتب، إلى هذا السبب وحده، بل أيضاً لأن أصحاب بيانٍ آخر انكتب وذاع آثروا اشتباكاً مع الرجل الذي اغتيل، فقد أشهر المكتب الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين في سورية بياناً تبنّى لغةً حربية، قيمتُه الوحيدة أنه يعطّل منطق السياسة، ويعلي منطق تعميق الخصومة. ومع التسليم بأن مقام "العفو عند المقدرة" لا قدرة عليه هنا، إلا أن شيئاً من رفيع الأخلاق الإسلامية المحضة كان يوجب الصمت، أو الانتباه إلى خطورة إعلان فائضٍ من الغبطة بقتل الرجل في فعلةٍ إسرائيلية. إننا هنا أمام شماتةٍ تقيم في الحضيض، وبؤسٍ مروّعٍ وقع فيه من يمثلهم هذا البيان المستنكر، والذي كان في المقدور أن يتناول نصرالله شخصاً يحاسبه ربّه على ما فعله في مضايا والقصير والزبداني (وغيرها في سورية)، لا أن يُبدي سعادةً بقتله لا تسعها الدنيا، من دون اكتراثٍ بهوية القاتل. ثمّة روح تشفٍّ وشماتةٍ شنيعة، عندما يأتي البيان على "عظيم الفرح والسرور" الذي تلقّى فيه "الشعب السوري الحرّ وسائر الأحرار في الوطن العربي والمسلم ... نبأ هلاك المجرم حسن نصرالله، زعيم حزب الله الطائفي اللبناني، ومجموعة أخرى من قيادات الحزب الوالغ بدماء الشعب السوري". وهنا تغشى أرطالٌ من الدهشة قارئ هذا الكلام الذي لا يسمّي إسرائيل إطلاقا، إذ يصدُر عن "إخوانٍ مسلمين"، لا يطالبهم أحدُ بغانديّةٍ رسوليةٍ متعالية، بل أن يعرفوا أن لغة المشتغل بالسياسة، سيّما إذا كان سورياً مكلوماً، من فائق الضرورة أن لا تجدّ في توسيع الخصومات، وأن تكترث بالعواقب، فالشماتة هنا، وإنْ أسبابُها معروفةٌ ومفهومة، على ما كتب فاروق مردم بيك بنبرة العاقل، هي "شماتة المهزومين العاجزين القانعين بما قسم لهم".
للمرّة الألف، لا أحد يطالب بأن تُنسى فظاعاتُ حزب الله في سورية، وإنما المسألة أن لا صلة للحادث المستجدّ بثقافة الثأر القطيعية والغريزية والبدائية، فتلك الفظاعاتُ توجِب أداء قانونيا وسياسيا وثقافيا لا تمتّ إليه حفلة الشماتة البغيضة التي نمّ عنها البيان المتحدّث عنه، وشبيهُه للمجلس السوري الإسلامي الأعلى، واعتبر أن "فرح الشعب السوري بهلاك المجرم حسن نصر الله وقادة حزبه المجرمين، جائزٌ وله ما يبرّره شرعاً وأخلاقاً". وحتى لو صدقَ هذا، فأداء أهل الاجتماع السياسي لا يجوز أن يكون أداء العامّة.
لم تكن مقنعةً محاولة مسك العصا من الوسط في بيانٍ لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن يتضامن مع الشعب اللبناني، ويغفل عن الذي ألمّ بحزب الله، في خسران أمينه العام وقياداتٍ ثقيلة فيه. ولم يكن مقنعاً قول مراقبها العام، مراد العضايلة، إن الجماعة لم تُرد أن تدخل في التفاصيل، وإنها مع كل من يحارب العدوان الصهيوني، ومع إلحاح سؤالٍ توجّه إليه في الخصوص، لم يكن مقنعاً قوله إن هناك "انقساماً بشأن موضوع حزب الله ولا نريد أن ندخل فيه". ...
حسنا فعلت حركتا حماس والجهاد الإسلامي، أما سقطة الإخوان المسلمين فكبيرة.