سعر الكاتب في موسم البطيخ

27 مايو 2021

(محمد المليحي)

+ الخط -

يمثّل لي الكاتب يوسف القعيد، حالةً استثنائيةً نادرة في كلّ المواسم، حتى في مواسم الحرب، وليس موسم البطيخ فقط أو موسم الطماطم المجنونة، وهو صاحب روايتي "الحرب في برّ مصر" و"ويحدث في مصر الآن" إلى آخره من تلك العنتريات اللفظية المدغدغة سياسياً للعامة، التي ذابت كلّها على أول عتبةٍ من عتبات البرلمان، والراتب الضخم الذي أنساه الكتابة، فصرّح بعدما عاد إلى القلم والمداد واليراع: "عشت خمس سنوات من الجفاف الأدبي خلال البرلمان" فمن الذي حكم على يراعه بالجفاف؟
إنّها الفلوس المغموسة بوجاهة السلطة واللقاءات التلفزيونية والمكايدة للخصوم، إلى آخره. والرجل كان ناراً على علم، فهل تغطّى الجاحظ بالقزّ، أو الديباج، من عرق يراعه أو حبر مداده مثلاً، أو شرب الملح مرّاً في فقر البصرة، تحت ثقل المخطوطات وتراب الأرفف؟ وهذا موضوع آخر.
جلس الرجل النحرير سياسياً يوسف القعيد "وفقاً لما كتب من روايات والله" خمس سنوات على شلتة البرلمان الوثيرة، لم يعترض على شيء قَطّ من كلّ القرارات التي مُرّرت كالشعرة من العجين، سواء نوقشت برلمانياً أو لم تناقَش. وعن يمينه بالطبع الدكتورة لميس جابر، بخلفيتها الليبرالية الضخمة، ابتداءً من مشاريعها الملحمية عن محمد علي وأنجاله، حتى "مشارف أولاد مبارك". وعن شماله المفكر الاستراتيجي والكاتب الدكتور سمير غطّاس، سمير المحسوب "كفاحاً" على اليسار، ودمغة أحمد فؤاد نجم بقصيدة وهو على أول ريعان الشباب في سجن القلعة، فصار فيما بعد يكّنى حركياً "محمد". جلس الثلاثة، سنواتٍ خمساً، كلّ بخلفيته، لم يعترضوا على تسليم جزيرتي تيران وصنافير، وهي "التراب الوطني" ولا على "تعويم الجنيه" وهو من صلب كرامة المواطن الفقير، وكان الجنيه في أيام عباس "من أحفاد محمد علي والفترة الليبرالية يا لميس" يمثل أضعافه بالعملة الصعبة، ولا على اتفاقيات سدّ النهضة، فهل شلتة البرلمان كانت أحنّ على مؤخراتهم من تراب الوطن وذهب أرض الفيروز وحناء أسوان وزغاريد الصبايا في مواسم النيل؟ أم أنّ للبطيخ حركاتٍ وأحكاماً؟
خمس سنوات مرّت، يا ربي، سريعة، حتى جرى استبدال أو "فك" الثلاثة بالسيدة، فريدة الشوباشي "تعيينا". وهنا انفتح باب البرلمان على مصراعيه واسعاً، أمام تصريحات فريدة، فقالت في موسم البطيخ الفعلي: "أثبت الرئيس السيسي للعالم أجمع أنّه رجل بنّاء"، وهي التي افتتحت مشهِّياتها السياسية من سنواتٍ مضت بأنّه "يذكّرها بالمسيح"، فكيف تحوّل المسيح في ليلةٍ وضحاها من نبي، إلى "رجل بنّاء"، وهذا انتقاصٌ غير متعمّد للقيمة بالطبع.
واضح أنّ السيدة فريدة الشوباشي، وهي كاتبة قصة قصيرة في بواكيرها الأولى، وقدّمها يوسف إدريس بقوله: "انتظروا قنبلة القصة القصيرة القادمة" بعدما استقرّت على شلتة البرلمان نسيت أوصافها الأولى للسيد الرئيس الذي ذكّرها بالنبي عيسى، وتلك تستحقّ عليها الملامة من الجهات المسؤولة فوراً.
نظن، نحن الكتّاب، بأنفسنا أنّنا مع الفكرة، وفي قلب العالم، وفي القلب من الحداثة وما بعدها، حتى نتعثّر في البطيخ أو تداعبنا السلطات بفلوس الجوائز وبطيخها، نظن أنّنا مع وجع الفقراء، وفي القلب من نبض الإبداع. وبعيداً جداً عن "عروق السلطات التي كنا نشتمها على كراسي المقاهي" ونحن في بحبوحةٍ من الفقر والكرامة، ونحن مع عرق القصيدة واللوحة، وتراب الرواية، وحداثة البحث، ورصد الهوامش بأمانةٍ في مدرجات المناقشة، نظنّ بأنفسنا أنّنا في ركب الحداثة حتى نهاجر، أو نتخطّى الخمسين، أو البحر، إلّا ونجد أنفسنا في موسم الفلوس والبطيخ، وللسلطات طائرات وخطوط. أنتم معكم العقل ونحن معنا الذهب، ومعنا أيضاً البطيخ، والأسعار مطروحة في السوق، فمن يقترب؟ فيترك جائزة القذافي، خوان غويتسولو، الإسباني ابن الإسبانية "تعففاً" بالعقل والكتابة، ويأخذ الجائزة جابر عصفور صاحب الخلفية اليسارية العريضة، التي استمرت "في عقلها النقدي المحض" قرابة خمسين سنة لا تهتزّ، حتى من خلال رئاسته للمجلس الأعلى للثقافة سنوات، أو توليه وزير ثقافة في حكومتين، وشال السبع جائزة القذافي من دون أيّ تردد. وحينما رفض الفيلسوف الألماني، يورغن هابرماس، ابن الألمانية جائزة الشيخ زايد، قبلتها السيدة الشاعرة، إيمان مرسال، بخلفيتها ما بعد الحداثية المهاجرة والمتمرّدة على كلّ المؤسسات العربية جمعاء، بيسارها ويمينها وحلوها ومرّها، وللبطيخ أحكامه في الصيف.

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري