روسيا وحماس
ورثت روسيا علاقات الاتحاد السوفييتي مع إسرائيل التي شابها بعض الاضطراب، رغم أن الاتحاد السوفييتي قد صوّت بالموافقة على إنشاء دولة إسرائيل في 1948، وافتتحت السفارتان في العام نفسه، ثم قطعت العلاقة بينهما في 1953 بعد تفجير السفارة السوفييتية في تل أبيب وقطعت أيضاً بعد حرب السويس عام 1956، وشهد 1967 آخر مرة تُقطع فيها العلاقات السوفييتية الإسرائيلية، حيث استمرّ الانقطاع على مستوى القنصليات حتى 1987 وعلى مستوى كامل حتى عام 1991، عندما أعاد غورباتشوف العلاقات، وسقط الاتحاد السوفييتي كله بعد شهرين، وورثت روسيا السفارة وما بقي من علاقات. وشهدت التسعينيات أكبر موجة هجرة يهودية من روسيا إلى إسرائيل تجاوزت المليون مهاجر، شكّلوا كتلة سكانية كبيرة ومؤثرة داخل إسرائيل.
بعد الربيع العربي، بدا واضحاً التنسيق بين إسرائيل وروسيا في الحرب السورية. فقد تجاهلت موسكو كل الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية التي وُجهت أساساً إلى أهداف إيرانية. وبعد هجوم كتائب عزّ الدين القسام التابعة لحركة حماس على منطقة غلاف غزّة في السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول، شنّ الطيران الإسرائيلي عدّة هجمات على المطارات السورية، حتى خرجت عن الخدمة غير مرّة، وتحولت الرحلات فيها إلى مطار حميميم في اللاذقية. والملاحظ أن هذا المطار لم يحدُث أن تعرّض لأي إغارة إسرائيلية، لا خلال الأزمة الحالية، ولا في أي وقت، منذ تمركزت القوات الروسية فيه. كذلك بقي ميناء طرطوس الذي تمتلك فيه روسيا حقوقاً دولية طويلة الأجل، في منأى عن أي هجوم أو استهداف إسرائيلي، بما يعني أن هناك مستوىً عالياً من التنسيق بين الجانبين، يحافظ على مصالحهما على الأراضي السورية. ورغم الموقف الملتبس لروسيا من الأزمة الحالية الناشئة بين حركة حماس وإسرائيل، استمرّت الأخيرة بأخذ المصالح الروسية بالاعتبار، فبقيت بعيدة عن نقاط السيطرة الروسية في سورية.
يمكن أن تعدّ العلاقات الروسية الإسرائيلية أفضل من التي كانت بين السلطة السوفييتية وإسرائيل، فقد كان السوفييت أكثر اهتماماً بمشاعر العرب، وحرصوا على مجاملتهم في أوقات عديدة بشأن إسرائيل، كذلك شكل التحالف الإسرائيلي الأميركي سبباً آخر لتحجيم العلاقة، بعد أن فشل السوفييت في إيجاد موطئ قدم لهم في إسرائيل، وأُصيبوا بضربة في كبريائهم خلال حرب 1967 عندما رفضت إسرائيل وقف إطلاق النار، فقطع السوفييت العلاقات معها إلى غير رجعة، فيما أصبحت العلاقة بعد الحقبة السوفييتية مع إسرائيل جدّية، وقد تحسّنت كثيراً خلال العصر البوتيني، وتبادل الزعماء الزيارات في مناسبات عدة. وربما وصلت العلاقات إلى عصرها الذهبي في عهد الرئيس الأميركي الأسبق أوباما، لكن الغزو الروسي أوكرانيا فرمل تطوّر العلاقات، فقد سارع وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، ليبيد، إلى إدانة الغزو الروسي، وبعدها جرى لغطٌ كبير بشأن تزويد إسرائيل أوكرانيا بمعدّات عسكرية وعربات.
جاء المتغير الثاني بعد عملية "حماس" في غزّة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، وكأن روسيا ترغب في ردّ الصفعة التي تلقتها عقب أوكرانيا، أو ترغب في توظيف ما حدث لصالحها، فرغم أن بوتين دان هجمات "حماس"، إلا أن مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الذي يدين العنف ويدعو إلى وقف إطلاق النار خلا من ذكرها، فيما يبدو أن روسيا حريصة أكثر على علاقاتها مع إيران التي تقف، بمعنى ما، خلف "حماس"، أكثر من حرصها على إسرائيل. وتُعَدّ إيران داعماً أساسياً وفعالاً لروسياً في الحرب ضد أوكرانيا، وهي تمدّها بالمسيَّرات التي تُستخدم في قصف الأراضي الأوكرانية. لم يبدُ أن التفاهم الروسي الإسرائيلي أصابه العطب في سورية، ولكن اتّساع رقعة المواجهة يمكن أن يجعله في خطر، ولن ترغب إسرائيل، رغم جبهتها المفتوحة مع "حماس"، في أن تشاهد اللاعب الإيراني ينتصر ويتمدّد في سورية.