دولارات الكرة المصرية

26 سبتمبر 2022
+ الخط -

ُتواجه مصر حالياً أزمة نقدية عنيفة، وتعاني نقصاً شديداً في العملة الأجنبية. وحيث الغلاء والتضخم ونقص الدولار مظاهر نقدية لأزمة هيكلية في الاقتصاد المصري. فإن معالجة الأزمة بملاحقة تداعياتها والانهماك في تجلياتها بات من المؤكّد أنها غير مجدية، بل وتزيدها تعقيداً.
رغم ذلك كله، تشهد مصر في مجالات متعدّدة حالة من البذخ والتبذير في الإنفاق العام، خصوصا بالعملة الأجنبية. ومن أهم تلك المجالات الرياضة، وتحديداً التعاقدات التي تتكبد الدولة بسببها ملايين الدولارات، أجورا ومكافآت لخبراء أجانب في المؤسسات الرياضية، خصوصاً فرق كرة القدم.
قبل سبعة أشهر، خرج المنتخب المصري لكرة القدم من التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم التي ستقام بعد أقل من شهرين في دولة قطر. وجاء هذا بعد أسابيع قليلة من خسارة نهائي كأس الأمم الأفريقية. وفي كليهما كان المنتخب في عهدة مدرّب أجنبي، هو البرتغالي كارلوس كيروش، الذي كان يحصل من خزينة الدولة المصرية على 130 ألف دولار شهرياً (2,350 مليون جنيه مصري). وبينما لم يتمكّن كيروش من تحقيق أي إنجاز مع الفراعنة، كانت مصر قد وصلت، بصعوبة بالغة، إلى نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2018 في روسيا، ولقيت هناك هزائم مخزية، تحت قيادة مدرّب أجنبي، هو الأرجنتيني هيكتور كوبر. وكان كوبر يحصل، عند بدايته مع المنتخب، على 66 ألف دولار شهرياً، زيدت إلى 77 بعد الوصول إلى نهائيات كأس أمم أفريقيا، ثم إلى مائة ألف دولار شهرياً مع الوصول إلى نهائيات كأس العالم. وبعد الإخفاق الكبير على يد كيروش ومن قبله كوبر، تردّد بقوة في الأوساط الرسمية المصرية أنّ هناك نية للاستعانة بمدرب وطني للمنتخب. بل أعلن رأس السلطة في مصر في نهاية يوليو/ تموز 2019 أن "مفيش مدرّبين أجانب تاني".
وبالفعل، تم الاعتماد على المدرّب الوطني مرّتين، لم تستمر إحداهما سوى ثلاثة أسابيع. وسرعان ما ارتمى اتحاد الكرة في أحضان المدرّبين الأجانب مرة أخرى، من دون أي مبرّراتٍ معلنة، فقد تعاقد الاتحاد، هذه المرّة، مع مدرّبين اثنين بدلاً من مدرب واحد أجنبي. مدرب برتغالي للمنتخب الأول، وآخر برازيلي للمنتخب الأولمبي! ويبلغ مجموع رواتبهما مع مساعديهما حوالي 320 ألف دولار شهرياً. ولا يعلم أحد ما الفرق بين المنتخبين، ولا مهمة كلّ من المدرّبين أو الإنجاز المطلوب منهما تحقيقه وخلال أي فترة.
وتسرّبت أنباء كثيرة عن فساد كبير في اتحاد الكرة المصري بأشكال متنوعة، من أبرزها حصول بعضهم على عمولاتٍ من التعاقد مع المدرّبين الأجانب، بل أحياناً نسب ثابتة من رواتبهم الشهرية، فضلاً عن مكاسب أخرى غير مباشرة، مثل فرض مساعدين أو معاونين مصريين على المدرب الأجنبي. 
ولا يقتصر الأمر على المنتخب، إذ لا يقل الوضع في الأندية سوءاً أو بالأصح سفهاً. لكن أموال الأندية خاصة بأعضائها، وفي حالاتٍ بعينها تكون جزءاً من منظومة اقتصادية متكاملة، كما هو الحال في النادي الأهلي. أما أموال المنتخبات فهي عامة، أيّ من جيوب المصريين.
وبعيداً عن أنّ ذلك كله يجسّد خللاً تنظيمياً ومشكلة في التخطيط والإدارة الكروية والرياضية بشكل عام، الخسائر المباشرة قصيرة الأجل ضخمة وتكلفتها المالية باهظة. وبالتالي، ليست أعباؤها على دولاب الاقتصاد المصري قليلة، خصوصاً إذا أضيفت إليها أموال أخرى كثيرة، تُنفق على التعاقدات مع لاعبين أجانب، ومعسكرات للتدريب ومباريات ودّية مع فرق أجنبية. لكن يبدو أن ترتيب الأولويات ليس فاقداً الرشادة وحسب، بل لا يخضع لأيّ معيار موضوعي، فهي، وفقط، الرغبة المحمومة في تحقيق إنجاز كروي يُحسب لهذا العهد البائس.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.