"داعش" في الجامعة العربية

21 اغسطس 2015
+ الخط -
حين عجزت حكومة طبرق التي تدير شرق ليبيا عن محاربة "داعش" التي تتمدد بقوة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ذهبت لاستشارة الجارة إيطاليا، بوصفها تعرف هذا البلد جيداً، وتتأثر بتطوراته سلباً وإيجاباً. وعندما لم تجد روما جواباً، طرحت الأمر على شقيقاتها الأوروبيات، فأفتى الاتحاد الأوروبي بضرورة مشاورة الشقيقة الكبرى واشنطن. ولكون العاصمة الأميركية متفرغة لمحاربة "داعش" في وادي ما بين النهرين، فإنها رأت أن تتولى جامعة الدول العربية أمر "داعش" على سواحل المتوسط، وجرى الاتفاق أن يبادر الأمين العام، نبيل العربي، إلى عقد اجتماع عاجل حول الأمر، بالتشاور مع الجنرال خليفة حفتر، واستثناء "المؤتمر الوطني" الذي يقاتل "داعش" منذ أشهر، ما يعني ازدواج معايير يفاقم المشكلة أكثر.
لم يكذّب نبيل العربي خبراً، فاستجاب بسرعة للطلب الليبي، ولأن الوقت ثمين والمسألة عاجلة، فإنه اكتفى بدعوة المندوبين الدائمين، وهو يعرف أنه يتعذر جمع وزراء الخارجية العرب في هذا الوقت الصعب الذي تشهد فيه القاهرة وفيات كل يوم بسبب الارتفاع المخيف لدرجات الحرارة، بعد تدشين قناة السيسي التي نقلت مصر إلى القرن الثاني والعشرين. ونظراً لخطورة الأمر، وعلى وقع الأخبار الآتية من جبهات الحرب على "داعش" في نيجيريا والعراق وسورية وسيناء، قرر المندوبون وضع استراتيجية لمحاربة "داعش"، وانتهى اجتماعهم على هذا الأساس، الأمر الذي يعني أننا سنشهد قريبا ولادة هذه الاستراتيجية التي ستنضم إلى التحالف الدولي لمحاربة "داعش" في سورية والعراق الذي شكلته واشنطن قبل أكثر من سنة. والملاحظة الأساسية، هنا، أنه كلما ارتفعت وتيرة الحشد ضد "داعش" ازداد قوة، وتراجعت الخطط لمواجهة الأخطبوط.
في اليوم نفسه الذي كان فيه المندوبون العرب يناقشون استراتيجية ليبيا، كان "داعش" يقطع رأس عالم الآثار السوري، خالد الأسعد، ويعلقه على مدخل مدينة تدمر الأثرية. وتكاد قصة هذا الرجل تلخص العربدة "الداعشية" في المنطقة العربية. فالأسعد أهم شخصية، علمية وثقافية، بين آلاف أعدمهم، وقام "داعش" بتصفيتهم بأساليب وحشية، وبعد ذبحه علق جثته على عمود في الطريق العام في تدمر التي سيطر عليها منذ مايو/ أيار الماضي.
تم اعتقال الأسعد في تدمر التي بقي فيها، وكان في وسعه الهرب، مثلما فعل ضباط جيش النظام السوري الذين سلموا المدينة لـ "داعش"، لكنه آثر البقاء، ظنا منه أن وظيفته وعمره (82 سنة) سيشفعان له، لكن "داعش" ذبحه بتهمة "حراسة الأصنام"، وهي ذريعة لا تبرر الوحشية والفظاظة التي يتعاطى فيها هؤلاء الرعاع والحثالات مع الآخرين، لكن هؤلاء لا يأتون بجديد، فأغلبهم تخرج من أكاديميات جرائم الحرب ضد الإنسانية التي أنشأتها الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت سورية والعراق وليبيا، في العقود الأخيرة، وغير بعيد عنهم تقتل براميل بشار الأسد وحليفيه، الإيراني والروسي، الأبرياء السوريين، من دون أي اعتبار.
حقاً، تبدو المسألة كاريكاتيرية، حين تقرر جامعة الدول العربية محاربة "داعش"، وهي تعرف أنها لن تستطيع القيام بذلك، ولن يكون بمقدورها تشكيل قوة لتولي الأمر في ليبيا. والأخطر ليس عجز الجامعة، بل النتائج المترتبة على الإخفاق في هذه المهمة، والكل يعرف أن "الدواعش" لم يأتوا من الفضاء الخارجي، ولا من خلف الحدود، بل خرجوا من صفوف أنظمة الاستبداد، وغالبية قياداتهم ضباط أجهزة مخابرات سابقون، ثم إن المواقف الدولية باتت واضحة من تمدد "داعش" في سورية والعراق، فلم يعد هناك أي خلاف على أن الطاغية السوري، بشار الأسد، ورئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، يتحملان مسؤولية كبيرة في ولادة هذا الوحش، ورعايته وإطلاقه. ولأن الجامعة عاجزة عربيا، فربما وجد أمينها العام حلاً بضم "داعش" إلى الجامعة.
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر