دار الأيتام "المكرّمة" وبغلة عمر

07 اغسطس 2014

دار الأيتام التي شهدت تعذيب الأطفال فيها

+ الخط -

كان يمكن لمشهد تعذيب مدير دار أيتام "مكة المكرمة"، لو حدث في أثناء رئاسة محمد مرسي، أن يتحول إلى حدث إنساني، مثل حادثة دنشواي. كان يمكن أن تسير له التظاهرات، وأن يقلق بان كي مون ويأكل أظافره وهو ينتظر الحبيب في الحديقة العامة. كان يمكن أن يحوّل محمد البرادعي إلى "العندليب الأصلع" بالتغريد المتواصل، كما حدث عند موقعة "مسحول الاتحادية" الذي تحول إلى أيقونة عذاب وإهانة. التاريخ انقسم وقتها قسمين، قبل السحل، وبعد السحل، كما قبل الميلاد وبعده! فجوقة المثقفين الفنانين والنجوم في الفضائيات كانت تتحدث بأوركسترا واحدة عن بغلة عمر بن الخطاب التي لو تعثرت بالعراق؟ الجميع كانوا يطالبون "مرسي بن الخطاب" بالاعتذار من البغلة العراقية المغدورة التي رمى لها قشور الموز على السكة!  سرّب الفيلم في ثقوب اليوتيوب الذي بات "المؤسسة العامة للتسريب والشكاوى"، فالحقائق في عصر الانقلاب لا تعرف إلا تسريباً أو سرقة، فلم يعد أحد يجرؤ على الشكوى سوى لحيطان اليوتيوب، فصحيح القانون المصري، حتى يأخذ مجراه، ويصل إلى مرساه، يحتاج إلى وقت ومعونة ونيابة وتحقيقات والخزينة "مفيش".. 
المشهد مؤلم وموجع ومخزٍ حقاً، فالأطفال محاصرون في الركن، ينتظرون دورهم في العقاب، مثل شعب غزة تماماً، البحر من أمامكم، والسيسي من ورائكم، وإسرائيل من فوقكم، وليس لكم إلا الموت أو الاستسلام.
المدير أسامة بروسلي يلعب كاراتيه مع الأطفال، يرفسهم، فيطير المرفوس ويتشقلب، قد يكون للرجل مواهب كروية مجهولة، الرجل يطبّق حد الحرابة على شعب مملكته الصغيرة، وكانت التظاهرات قد أنعشت ذاكرة الأتقياء والملاحدة، المسلمين والأقباط معاً في مصر، فالجميع تذكّر حد الحرابة على المتظاهرين المصريين، مع أنه حد جنائي شرعي، وليس قانوناً مصرياً، حتى مفتي السعودية، صالح اللحيدان، يفتي بحرمة التظاهر من أجل غزة، فالتظاهر يصرف عن ذكر الله، لا يتحدث عن الجهاد، وفرض العين إذا ما احتلت ديار الإسلام، ونصرة المظلوم.. للرجل مواهب كروية وكاراتيه، لكن.. بالفتاوى.
الضابط الذي أوقف أسامة بروسلي، نفسه يقوم بتطبيق حد الحرابة مع المعتقلين في السجن.  الفيلم لم يكن له ذلك الدوي، فالحكم مستقر، والسيسي مشغول بالحرب على الإرهاب، ويفكر في تقليد عبد الناصر الذي غزا اليمن بغزو ليبيا قريباً، وربما لم يحدث الفيلم ذلك الأثر المرجو، لأن دموع المصريين جفّت على مسحول الاتحادية، الذي بات كليب العرب بن وائل.
فليحمد الأيتام ربهم أن السيسي يطعمهم، ويسكنهم، ويكسيهم، وينير ظلامهم باللمبات الوفرة، ولكنه خذل آمالنا، فلم نره يزور "مكة المكرمة"، وهو يحمل باقة ورد حمراء للأطفال، كما حملها للمغتصبة إياها، ويكرر "حقكو علينا إحنا". لم يجد هؤلاء الأطفال من "يحنو عليهم". الحنان انتهى مع إعلان السيسي رئيساً لجمهورية مصر الإماراتية.
 بل إن الزوجة التي سربت الفيديو، بعد سنة من وقوع الحادثة، تتهم بأنها تريد أن تكيد زوجها، وتريد أن تصبح مديرة "مكة المكرمة"، الزوجة تبكي، وتقول إنها قدمت الفيديو منذ سنة إلى الرعاية الاجتماعية، فتلومها وزيرة التضامن الاجتماعي و"العسكري"، لأنها لم تذهب إلى الشرطة، فالشرطة سويسرية، في خدمة الشعب، وليس في سرقته وإهانته واغتصابه!
الزوجة لم تذهب إلى الشرطة فشكلها إخواني، وثلاثة أرباع المصريين شكلهم إخواني، مصر وسورية والعراق وفلسطين دار أيتام كبيرة، ومديرها يضرب بالكيماوي، والرصاص الحي، والبراميل.
غداً قد نسمع في مرافعة الدفاع أن أسامة بروسلي كان يريد منهم أن يحفظوا نشيد تسلم الأيادي، وسيخرج براءة، وهو أفضل من مدير دار الأيتام في فيتنام الذي كان يتاجر بالأطفال بيعاً وتصديراً.
"حنان" البغال يتساقط علينا رطباً جنياً: براميل، وكاراتيه، وأحكام إعدام، و"سارين" وحملات تقشف واغتصاب، وتوفير، وفلاتر.
 تفضلوا.. بغلتكم الموقرة ترقص في مصر الآن.

 

أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر