خلاف لمصلحة إسرائيل
تبشّر الكثيرون خيراً بالتصريحات الأخيرة للرئيس الأميركي جو بايدن، التي اعتُبرت تحوّلاً في الموقف الأميركي من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وظنّوا أنها بداية تحرّك أميركي قد يؤدّي إلى وقف حرب الإبادة التي تشنّها دولة الاحتلال على الفلسطينيين. غير أن هذا التحوّل اتضح أنه لم يكن جوهرياً، ولا يتعلق بالحرص الأميركي على حياة الفلسطينيين، بل على صورة إسرائيل عالمياً.
كان بايدن واضحاً في خطابه الأخير أمام تجمّع لجمع التبرّعات لحملته الانتخابية، حين أشار إلى أن إسرائيل "بدأت تفقد التعاطف الدولي" الذي نالته بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر. كان هذا هم بايدن الأساس، فهو لم يدعٌ إلى وقف الحرب المجنونة على قطاع غزّة، بل كان خائفاً من أن "فقدان التعاطف والدعم" قد يضطرّ الولايات المتحدة في يوم من الأيام، وتحت وطأة التغير في الموقف الدولي، وكي لا تكون منعزلةً على الساحة العالمية في ما يتعلق بالعدوان، إلى الدعوة بشكل صريح إلى وقف العدوان، حتى من دون تحقيق الأهداف التي وضعتها إسرائيل والولايات المتحدة.
لا شك أن هناك خلافاً بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكنه خلاف على مصلحة إسرائيل بالنسبة إلى واشنطن، فإضافة إلى المجازر اليومية المرتكبة في قطاع غزّة، والتي بدأت تؤثر في المواقف الدولية، هناك قضية عودة الاحتلال إلى قطاع غزّة بأي شكل، وهو ما يدأب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على الإشارة إليه، فالتصريح الأخير لنتنياهو، والذي على أساسه خرج بايدن بموقفه الجديد، جاء مخالفاً للرؤية الأميركية لمرحلة "اليوم التالي" في قطاع غزّة، حين أعرب عن رفضه تسليم القطاع إلى السلطة الفلسطينية، مشيراً إلى رفضه تحوّل غزّة إلى "فتحستان" أو "حماسستان". كذلك رفض نتنياهو التوجّه الأميركي إلى إطلاق عملية سياسية في المرحلة اللاحقة للحرب، معتبراً أن اتفاق أوسلو الذي أسّس للسلطة الفلسطينية كان "خطأ لن يتكرّر".
مواقف نتنياهو هذه، ورغم أن جزءاً منها يأتي ردّاً على الولايات المتحدة، إلا أنها أيضاً تندرج في سياق حملة انتخابية مسبقة، فالرجل لا يزال مقتنعاً بعدم انتهائه سياسياً، وأنه قادر على المنافسة في المرحلة المقبلة بدعم من تكتّلات اليمين المتطرّف التي أسّست لائتلافه الحكومي الحالي. الأمر تلقفه بايدن في خطابه نفسه، حين وصف هذا التكتّل بأنه "الأكثر تطرّفاً في تاريخ إسرائيل"، داعياً نتنياهو إلى "تغيير حكومته"، من دون الإشارة إلى ضرورة تغيير نتنياهو نفسه.
زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى تل أبيب قبل يومين أكّدت أن الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل شكليٌّ فقط، فالاتفاق لا يزال قائماً على أهداف العدوان، لكن الوسيلة هي موضع النقاش. ورغم أن كل التسريبات السابقة كانت تشير إلى أن الولايات المتحدة منحت إسرائيل مهلة حتى نهاية العام، وهو ما ألمح إليه أيضاً وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلا أن سوليفان، وبعد تصريحات بايدن الجديدة، جاء ليمدّد رخصة القتل لإسرائيل لأشهر، لكن "وفق مراحل".
مراحل سوليفان هي "التركيز بشكل أكبر على قيادة حركة حماس"، بعد الانتهاء من "عمليات التطهير المكثفة"، والتي لا يبدو أن أحداً يدري متى تنتهي. تصريحات المستشار الأميركي، ورغم أنها بدت حريصة على حياة المدنيين الفلسطينيين، إلا أنها تبنّت المقولة الإسرائيلية ‘ن "حماس تستخدم المواطنين دروعاً بشرية وتختبئ في مستشفيات ومدارس"، ما يعني أن استمرار سقوط الشهداء المدنيين سيكون بسبب "حماس" وليس إسرائيل.
من الواضح أن الولايات المتحدة لن تتوقف عن إطعام الوحش الذي تربّيه في الشرق الأوسط، لكنها حريصة على "تجميله".