02 نوفمبر 2024
خطأ بغداد وخطأ أربيل
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
لم يكن متوقعاً أن يتم حل عقدة المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل بالشكل الذي حصل ليلة الأحد الماضي، ففي وقتٍ كانت الأجواء تنذر بنزاع مسلح، انسحبت القوات الكردية إلى حدود يونيو/ حزيران 2014، الأمر الذي شكل صدمة للشارع الكردي، ومفاجأة للأوساط المراقبة. وقد صار من المسلّم به أن صفقةً رعتها إيران غيّرت اتجاه الرياح كلياً.
تمثل محافظة كركوك منطقة متنازعاً عليها، مثل مناطق أخرى في محيط إقليم كردستان، وقد أجل الدستور العراقي، وفق المادة 140، حل وضع هذه المناطق، وتركها إلى وقت لاحق. وقبل الأكراد هذا المبدأ، وهم الذين شاركوا بقوة في كتابة الدستور العراقي، وفي الاستفتاء عليه، ولكنهم لم يحترموه لا قبل الاستفتاء ولا بعده، وظلوا يعملون على أساس أن كركوك منطقة كردية، في حين أن هناك إجماعاً على أن المحافظة تتكون من ثلاثة أثلاث، عربي، كردي، وتركماني، عدا عن أنها متداخلة طائفياً أيضاً. ومنذ قيام إقليم كردستان، جرت عمليات تهجير للعرب من منطقة كركوك، تحت حجة إلغاء قرارات التعريب القسري للمنطقة التي تمت على حساب الأكراد خلال حكم حزب البعث للعراق منذ الستينات. وقد يكون بعض هذه الحجج صحيحاً، لكن قسماً منها غير صحيح، وضاعت الحقيقة بين هذا وذاك، لأن العملية حصلت من دون إطار قانوني، وبناء على ادعاء الطرف الكردي ملكيته الأراضي والمنازل.
ظلت هذه المشكلات تتفاعل، حتى اجتياح "داعش" مدينة الموصل في يونيو/ حزيران 2014، وكان أحد أهدافه احتلال إقليم كردستان، لكن الكرد تمكنوا من الصمود وطردوا "داعش"، واستولوا على جزء كبير من الأراضي التي تقع ضمن دائرة المتنازع عليها. ويومها أعلن رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، أن الأرض التي استعادتها البيشمركة بالدم ترسم حدود كردستان بالدم، وذلك في تطبيق للمادة 140 من الدستور على نحو تعسّفي، وبما يخدم مصالح الكرد. ولم يكن هذا القرار موفقاً، وكان الأحرى به أن يلتزم بالدستور، وكان سيكون موقفه اليوم أقوى.
أخطاء الطرف الكردي لا تبرر خطأ بغداد الذي لا يمكن قبوله، وهو الاستعانة بإيران من أجل حل خلاف داخلي، وقد صار معروفاً أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، هو الذي هندس عملية إسقاط مدينة كركوك، حيث أمضى في صورة علنية عدة أيام في السليمانية، يمارس ضغوطاً على الجناح الآخر من إقليم كردستان، وأثمرت ضغوطه عن عملية تسليم المدينة للقوات العراقية والحشد الشعبي.
قبول الدولة العراقية أن يعالج قاسم سليماني المشكلة بينها وبين أربيل يجرح حججها حول الحرص على منع الانفصال الكردي، والحفاظ على وحدة العراق وسيادته، وكان البحث عن مخرج مع إقليم كردستان، وبأي ثمن كان، أقل ضرراً على مستقبل العراق من الرضوخ للدور الإيراني، فالأكراد يظلون أبناء العراق، ويمكن دائماً التوصل إلى تسويةٍ معهم، بعيداً عن العنتريات الفارغة التي صدرت من بغداد وأربيل على السواء، وساهمت في تأزيم الموقف.
الموقف الأميركي هو اللافت للانتباه، حيث أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن واشنطن تقف على الحياد، وتكشّف في اليوم الثاني أن الحياد الأميركي لم يكن سوى في العلن، لأن الإدارة الأميركية هي التي فرضت على البارزاني عدم القيام بأي رد فعل عسكري على دخول القوات العراقية إلى كركوك، وتعود لها فكرة انسحاب الأكراد إلى الخط الأزرق الذي جرى رسمه عام 2004. والطريف هنا هو التوافق الأميركي الإيراني على هذا الموقف الذي يعبر عن قمة براغماتية واشنطن وطهران، اللتين التقتا عند منع تحقيق الانفصال الكردي، على الرغم من الخلافات بينهما بصدد الملف النووي.
تمثل محافظة كركوك منطقة متنازعاً عليها، مثل مناطق أخرى في محيط إقليم كردستان، وقد أجل الدستور العراقي، وفق المادة 140، حل وضع هذه المناطق، وتركها إلى وقت لاحق. وقبل الأكراد هذا المبدأ، وهم الذين شاركوا بقوة في كتابة الدستور العراقي، وفي الاستفتاء عليه، ولكنهم لم يحترموه لا قبل الاستفتاء ولا بعده، وظلوا يعملون على أساس أن كركوك منطقة كردية، في حين أن هناك إجماعاً على أن المحافظة تتكون من ثلاثة أثلاث، عربي، كردي، وتركماني، عدا عن أنها متداخلة طائفياً أيضاً. ومنذ قيام إقليم كردستان، جرت عمليات تهجير للعرب من منطقة كركوك، تحت حجة إلغاء قرارات التعريب القسري للمنطقة التي تمت على حساب الأكراد خلال حكم حزب البعث للعراق منذ الستينات. وقد يكون بعض هذه الحجج صحيحاً، لكن قسماً منها غير صحيح، وضاعت الحقيقة بين هذا وذاك، لأن العملية حصلت من دون إطار قانوني، وبناء على ادعاء الطرف الكردي ملكيته الأراضي والمنازل.
ظلت هذه المشكلات تتفاعل، حتى اجتياح "داعش" مدينة الموصل في يونيو/ حزيران 2014، وكان أحد أهدافه احتلال إقليم كردستان، لكن الكرد تمكنوا من الصمود وطردوا "داعش"، واستولوا على جزء كبير من الأراضي التي تقع ضمن دائرة المتنازع عليها. ويومها أعلن رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، أن الأرض التي استعادتها البيشمركة بالدم ترسم حدود كردستان بالدم، وذلك في تطبيق للمادة 140 من الدستور على نحو تعسّفي، وبما يخدم مصالح الكرد. ولم يكن هذا القرار موفقاً، وكان الأحرى به أن يلتزم بالدستور، وكان سيكون موقفه اليوم أقوى.
أخطاء الطرف الكردي لا تبرر خطأ بغداد الذي لا يمكن قبوله، وهو الاستعانة بإيران من أجل حل خلاف داخلي، وقد صار معروفاً أن قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، الجنرال قاسم سليماني، هو الذي هندس عملية إسقاط مدينة كركوك، حيث أمضى في صورة علنية عدة أيام في السليمانية، يمارس ضغوطاً على الجناح الآخر من إقليم كردستان، وأثمرت ضغوطه عن عملية تسليم المدينة للقوات العراقية والحشد الشعبي.
قبول الدولة العراقية أن يعالج قاسم سليماني المشكلة بينها وبين أربيل يجرح حججها حول الحرص على منع الانفصال الكردي، والحفاظ على وحدة العراق وسيادته، وكان البحث عن مخرج مع إقليم كردستان، وبأي ثمن كان، أقل ضرراً على مستقبل العراق من الرضوخ للدور الإيراني، فالأكراد يظلون أبناء العراق، ويمكن دائماً التوصل إلى تسويةٍ معهم، بعيداً عن العنتريات الفارغة التي صدرت من بغداد وأربيل على السواء، وساهمت في تأزيم الموقف.
الموقف الأميركي هو اللافت للانتباه، حيث أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن واشنطن تقف على الحياد، وتكشّف في اليوم الثاني أن الحياد الأميركي لم يكن سوى في العلن، لأن الإدارة الأميركية هي التي فرضت على البارزاني عدم القيام بأي رد فعل عسكري على دخول القوات العراقية إلى كركوك، وتعود لها فكرة انسحاب الأكراد إلى الخط الأزرق الذي جرى رسمه عام 2004. والطريف هنا هو التوافق الأميركي الإيراني على هذا الموقف الذي يعبر عن قمة براغماتية واشنطن وطهران، اللتين التقتا عند منع تحقيق الانفصال الكردي، على الرغم من الخلافات بينهما بصدد الملف النووي.
دلالات
بشير البكر
بشير البكر كاتب وشاعر سوري من أسرة "العربي الجديد" ورئيس تحرير سابق
بشير البكر
مقالات أخرى
26 أكتوبر 2024
19 أكتوبر 2024
12 أكتوبر 2024