حصان طروادة وحمير دمشق والقاهرة
كنت أخلط صغيراً بين حصان طروادة وحصارها، فأحتار ويغلب حماري، وكنت أظنُّ أنَّ السبب في خلطي بينهما ضلال الأذن في سماع حرفين من كلمتين لهما ذكر في قصة طروادة، ثم تبين لي أنّي لم أكن أُعمل عقلي، فقد حوصرت طروادة عشر سنوات، وكُسر حصارها بالحصان الخشبي الشهير. وكنت أخلط أيضاً بين لفظين لم يساهما في حرب طروادة، هما المخرج حسن الإمام وصمام الأمان! والصمام آلة ميكانيكية، ثم وجدت الإعلام السوري يؤكّد أنّ صمام الأمان هو بشار الأسد، البرغي بالبرغي والعزقة بالعزقة.
قرأت للباحث العراقي فاضل الربيعي في كتابه "أبطال بلا تاريخ" بحثاً ماتعاً في هجرة الأساطير العربية إلى بلاد الإغريق، وقال إنّ أساطير الإغريق عربية، وآلهتهم عربية، لكنّه رأى أنَّ صناديق قصير بن سعيد الألف التي خدع بها الزبّاء أسطورة إغريقية نزحت إلى أخبار العرب ورواياتهم، ثم إلى "ألف ليلة وليلة" في قصة الأربعين حرامي. والأغلب أنّ واقعة طروادة أقدم، لكنّ الحيل متشابهة في الحرب والسياسة، ويزعمون أنّ التاريخ يكرّر نفسَه، والصواب أنّ نواميس التاريخ صنوان وغير صنوين، وكان حصان طروادة، حسب الأسطورة، مصنوعاً من خشب، خلّفه الإغريق وراءهم كميناً، بعدما يئسوا من اقتحام طروادة بالخيول، فتسلّلوا إليها بحصانٍ خشبي، كَمَن بداخله المقاتلون، فغنمه الطرواديون، وساقوه إلى قلعتهم غنيمة نصر، فاحتفلوا وسكروا وناموا. الحرب خدعة.
ووقعت، عزيزي المحاصر، في أفغانستان طروادة مقلوبة، فقد خرج الأميركيون من أفغانستان بطائرات طروادة، وكانوا قد اقتحموها بالقوة، وفعلوا بشعبها الأفاعيل، لكنّهم أحسنوا إخراج الهزيمة وباعوها نصراً، فأميركا أعظم دولة، ومن عظمتها أنّها حوّلت هزيمتها إلى مشهدٍ هوليوودي فاتن، فخرج جندها وموالوهم الأفغان يتعلقون بطائراتها، فركبوها ركوب الحناطير والعربات. وكانت أميركا قد تركت مئات الدبابات والطائرات غنائم للأفغان، وذهب المحللون مذاهب في تفسير تركهم غنائمهم الكثيرة. أما الرأي عندنا فهي أنّ كلفة نقلها أكبر من كلفة تركها، لكنّ للهزيمة العسكرية فصلاً سياسياً آخر، فأميركا تحاصر أفغانستان سياسياً عن بعد، وتحرمها من أموالها المحجوزة، وتخنقها بسمعتها، فرزق أميركا تحت ظلّ رمحها، ورمحها طويل ما زال، وقد انتصرت بالرعب، والمعركة لم تنتهِ.
لم يضطر سائق الدرّاجة عبد الفتاح السيسي إلى حصان خشبي، فقد اقتدى بقصير بن سعيد، فخدع محمد مرسي بالتقوى الكاذبة من غير جدْع أنفه، واستعان بزبيبة صلاة. وخدع أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد الشعب التونسي بلفظتين خشبيتين من عربية الفانتازيا التاريخية، وذكر اسم فلسطين، فسعد به الشعب التونسي الذي يحنُّ إلى تاريخه المجيد الذي بعثه قيس سعيّد، فظهر لهم من سحره، وكأنّه بطلٌ قادمٌ من أعماق التاريخ. استولى الرجل على جميع السلطات، من غير أن يسفح قطرة دم، وذكر المؤرخون أنّ معاوية قال: لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، وقد كفاه لسانه!
تقول رواياتٌ متواترةٌ إنّ الإمارات غدرت بقادة الثورة السورية بهواتف نقّالة أهدتها لهم، وهي أرخص من صناعة حصان خشبي. وتأتي القارئ مع كلّ صفحة يقلبها في الشبكة رسائل تستأذنه باستعمال "خيول" كوكيز، وأنّ أسراره ستكون في بئر. سمّى مارك شبكته فيسبوك، وليس طروادة بوك، فتسلل إلى حصوننا الشخصية، وعلم أسرارنا.
ووُضعت الأحاديث النبوية إبّان الصراع الأموي الشيعي على أحقية الخلافة، فهي ركائب دكّت بها الحصون، أما إيران فقد احتلت أربع دول عربية من غير خيول خشبية ولا ركاب، وتهمّ بغزو دول عربية أخرى بوسائل ليس لها عجلات ولا أقدام هي: القبور! وقد بدأوا يفدون إلى الأردن تقديساً لقبر جعفر بن أبي طالب الذي استشهد في مؤتة. فواصباحاه واصباحاه.
الخيل من أجمل الأنعام وأكرمها "وفي نواصيها الخير"، وقد تحوّل الحصان الخشبي مع الزمان، برياح السياسة وأعراء الحرارة الحربية، إلى شكل هندسي صامت صلب على هيئة المستطيل اسمُه صندوق الانتخابات، يحرُسه الجيش، وتوكل به هيئة دستورية، أو لجنة انتخابات، تعمل على تبديل الأصوات الانتخابية وتحطيم الأسوار واستعباد أبناء الشعب، وليس العدو. وعادة ما تصاحب صندوق طروادة احتفالات حتى الصباح سروراً بالخدعة التي خدع بها الحاكم شعبه، وخبأ في الصندوق الجيش كله.