حريق استوديو القاهرة من زاوية أخرى
وقعت كارثة جديدة في مصر فجر يوم الجمعة الماضي، نشوب حريق كبير في استوديو الأهرام بمنطقة الجيزة في قلب القاهرة الكبرى. ورغم عدم وقوع وفيات واقتصار الخسائر البشرية على إصابات بين المواطنين ورجال إطفاء، إلا أن الخسائر المادّية هائلة، حيث التهمت النيران كميات ضخمة من الأخشاب والمواد البلاستيكية الخاصة بديكوراتٍ تمثيليةٍ وممتدّةٍ على مساحة 27 ألف متر مربع. كما قضت النيران على 30 وحدة سكنية بكامل محتوياتها في العقارات الملاصقة للاستوديو. وأصبحت تلك العقارات بحاجة إلى ترميم، وبعضها للإزالة الكاملة.
ليست كارثة حريق الاستوديو فريدة، فالكوارث التي يتجلّى فيها القصور والخلل في إجراءات التأمين والاستنقاذ متكرّرة في مصر، بل شبه معتادة. سواء كانت طبيعة الكارثة حريقاً أو غرقاً أو حوادث قطارات، إلى غير ذلك من كوارث ومصائب، سببها الأساس الأخطاء البشرية، سواء بالإهمال والتقصير أو بنقص الكفاءة.
وفي مثل تلك الحوادث، تتوالى التساؤلات بشأن السبب المباشر لوقوع الكارثة. وهو ليس معلوماً بعد في حالة استوديو الأهرام، حيث وقع الحادث بعد انتهاء العمل اليومي في تصوير أحد المسلسلات، ومغادرة الممثلين وأطقم العمل موقع التصوير بالاستوديو. ونفت التحرّيات الأولية أن يكون الحريق بسبب ماسّ كهربائي، ما يفتح الباب أمام احتمالات أخرى، أهمها أن يكون الحريق متعمّداً وليس حادثاً عرضياً. لكن الأهم افتقار الاستوديو العريق، وهو منشأة سينمائية ضخمة، إلى الحدّ الأدنى من متطلّبات الأمان ومستلزمات مواجهة الحرائق وإجراءات التعامل معها.
أما بعد نشوب الحريق، فالأخطاء عديدة ومتكرّرة، ولا تقتصر على تأخّر وصول عربات الإطفاء، حتى طاولت النيران العقارات والمباني المحيطة بالاستوديو، وقضت على عشرات الوحدات السكنية كاملة، إلى حد أن الحريق بدأ قبل الساعة الثالثة فجراً واستمرّ حتى السادسة صباحاً (ثلاث ساعات). رغم أن لهيب الحريق ودخانه في السماء كانا مرئييْن، بعد دقائق فقط من اشتعال النيران، عبر شرفة منزلي على بعد ثلاثة كيلومترات من الاستوديو. وتكشف الصور المتداولة للموقع بعد الحريق حجم الدمار والخراب في المكان، فقد تحوّلت مكونات الاستوديو الضخم إلى مساحة من الأرض متفحمة ومكسوة برماد الأخشاب والديكور المحترق.
حتى هنا، لا جديد في السلسلة المتكرّرة للحوادث والكوارث في مصر. والجديد الفعلي، والمؤسف، يتلخص في ما أعلنه محافظ الجيزة عن أن توجيهات رئاسية صدرت بتحمّل الدولة تكاليف ترميم وإعادة تأهيل المنشآت السكنية المتضرّرة، وتعويض المواطنين مالياً عن فترة إقامتهم خارج العقارات المهدّدة بفعل الحريق. وكان لافتاً حرص المحافظ على نسب هذه التوجيهات إلى أعلى مستوى في سلطات الدولة، رغم أن رئيس الوزراء انتقل إلى موقع الحريق وأدلى بتصريحات تحمل المضمون نفسه، لكنه طرحها باسم الدولة ولم ينسبها إلى توجيهات شخصٍ أو منصب. ويدلّ حرص المحافظ على ربط الدور الطبيعي للدولة في هذه الأحوال بتوجيهات عليا على عمق السلطوية المتفشية في أجهزة الدولة المصرية ومؤسّساتها حالياً، وباتت أقرب إلى العبثية، فالمعضلة ليست في نسب المسؤول قيامه بواجباته ومهامّه الطبيعية المكلف بها إلى مسؤول أعلى أو صاحب منصب رفيع، وإنما في أنه لم يكن ليقوم بتلك الواجبات من دون صدور تلك التوجيهات بالفعل من السلطة الأعلى. والمؤسِف انتشار هذا الوضع الغريب في مستويات مختلفة في الجهاز الإداري بالدولة، حيث انتشرت عدوى الارتباط الشرطي بين أداء الواجبات الوظيفية وتلقّي تعليمات بشأنها من المستوى الأعلى. حتى لم يعد هناك من يقوم بواجباته ومهامّه من دون أوامر مباشرة من رئيسه أو مديره أو قائده.