حرب عالمية ثالثة؟
أثناء متابعة التطورات اليومية المتسارعة للأزمة الغربية الروسية في أوكرانيا، لا يمكننا إلا استعادة الأجواء التي سبقت اندلاع الحربين العالميتين الأولى والثانية، خصوصاً مع التحذيرات الغربية المتتالية من غزو روسي محتمل لشرق أوكرانيا، وهو ما يذكّر بدخول هتلر بولندا، والذي كان من الأسباب التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية.
كما أن شكل التحالفات التي بدأت تتبلور على خلفية الأزمة الحالية يعطي الانطباع ذاته عن المحاور التي كانت قبيل تفجّر الحربين، فشكل المحور الغربي أصبح واضحاً جداً، في ظل الوجود الأميركي وغالبية الدول الأوروبية، والدول المنضوية تحت جناح حلف شمال الأطلسي، ربما باستثناء تركيا التي لم تخرج بموقف حاسم بعد من الأزمة، في ظل المصالح الاقتصادية التي تربط البلاد مع روسيا، وهو ما يدفع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى محاولة القيام بوساطات لنزع فتيل الأزمة، الأمر الذي يبدو فاشلاً حتى الآن.
في المقابل، لا تقف روسيا مكتوفة اليدين أمام تشكّل هذا المحور الممتد، فسارعت إلى بدء العمل على تشكيل محور مضاد. لقاء الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ، على هامش افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين الأسبوع الماضي، مهّد لما بات يوصف بأنه "تقاربٌ غير مسبوق" بين موسكو وبكين، وهو ما تجلّى في الرسائل التي أطلقها الرئيسان بعد لقائهما، لجهة التحذير من توسيع حلف شمال الأطلسي شرقاً، والتنديد بالتأثير الأميركي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والذي وصفاه بأنه "سلبي".
وإذا كان لبوتين، ومن خلفه روسيا، أسبابه التصعيدية في مواجهة الغرب، فإن لدى الصين أيضاً ما يكفي من الأسباب للانضمام إلى هذا المحور المضاد الذي يبدو أن بوتين يريد تشكيله، فمنذ ما قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية، كان معلوماً أن الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد وضع الصين في رأس أولويات إدارته، في ظل ما ترى واشنطن أنه "توسّع في نفوذ الصين". وحتى في أوج المواجهة بين الغرب وروسيا على خلفية الوضع الأوكراني، لم تخرج واشنطن الصين من حساباتها، ففي أحدث التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أمس الجمعة لصحيفة "ذي أستراليان" خلال زيارته كانبيرا، اعتبر أنه على الرغم من تركيز الولايات المتحدة "في الوقت الراهن على التهديد الروسي لأوكرانيا، فإن التحدي الطويل الأمد يبقى توسع نفوذ الصين".
المحور الروسي الجديد لا شك في أنه سيضم إيران أيضاً، في حال تدحرج الأزمة إلى تطوراتٍ لا تحمد عقباها، ولا سيما أن طهران لا تزال في المرمى الأميركي لجهة العقوبات والمخاوف من تطوير أسلحة نووية، على الرغم من المفاوضات الجارية في فيينا لإحياء الاتفاق النووي، فالتحالف القسري القائم حالياً بين طهران وموسكو، والمتمثل في تنسيق الطرفين عملهما على الأرض السورية، لا بد أن ينسحب لاحقاً على بقاعٍ أخرى، وخصوصاً أن إيران لن تكون في وارد خسارة من تراه الحليف الوحيد لها دولياً، وتحديداً بعد اصطفاف الصين إلى جانب روسيا.
المحوران المتقابلان باتا جاهزين، تماماً كما كانت الأحوال قبيل الحربين العالميتين، لكن هل يعني ذلك عملياً إمكان اندلاع حرب ثالثة على خلفية أي خطوةٍ متهورةٍ قد يقدم عليها بوتين في الشرق الأوكراني؟ المعطيات لا تزال تستبعد مثل هذا السيناريو، سواء لجهة حجم التحشيد القائم غربياً على الجبهة الأوكرانية، وخصوصاً مع الانكفاء الأميركي والاكتفاء بإرسال قوات "دفاعية"، أو لجهة سقف التهديدات التي يطلقها الغرب لتحذير روسيا من غزو أوكرانيا، وهي إلى اليوم لا تتعدّى فكرة تغليظ العقوبات الاقتصادية على موسكو، وضم بوتين شخصياً إليها.
رغم ذلك، فإن تصاعد الاحتقان قد يولّد "الانفجار الكبير"، خصوصاً أن أرضيته باتت جاهزة سياسياً وعسكرياً وحتى اقتصادياً.