حديثٌ أميركي ـ روسي في أطمة

05 فبراير 2022
+ الخط -

لم تُقدم الولايات المتحدة على فعل أمرٍ مفاجئ في قتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أبو إبراهيم القرشي. بات الأمر اعتيادياً بالنسبة إليها: تصفية قادة تنظيمات متشدّدة في أوقات تختارها بعناية أحياناً، أو وفقاً لظروفٍ مستجدّة. في كل الأحوال، يقوم الأميركيون بما عليهم دائماً "لجعل العالم مكاناً أفضل"، وفقاً لأدبياتهم. ولا يمكن النأي بتصفية القرشي عن التشابكات السياسية والعسكرية في سورية والشرق الأوسط، وصولاً إلى الشرق الأوروبي.

يُمكن ملاحظة أمرين في يوم قتل القرشي، أول من أمس الخميس: مسارعة روسيا إلى إبداء تأييدها الولايات المتحدة في "الحرب على الإرهاب". تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن العمل "مع شركائنا من القوات العراقية وقوات سورية الديمقراطية (قسد) والبشمركة (القوات الكردية العراقية) لضمان حماية بلادنا". في الواقع، يرتبط الأمران بواقع واحد: الروس مقتنعون بأن الأميركيين لن ينسحبوا من سورية في وقتٍ قريب، على الرغم من مطالبات إيران والنظام السوري بذلك، ومقتنعون أيضاً بأن التعامل العسكري الأميركي مع "قسد" و"البشمركة" مستمرّ حتى إشعار آخر. بالتالي، أي حديثٍ آخر بغرض إجبار الأميركيين على الخروج من سورية لن يكون نافعاً.

وعلى هذا الأساس، يتعامل الروس بواقعية مطلقة مع الوجود الأميركي شرقي الفرات وفي منطقة التنف في سورية، وهو منطقٌ تتبنّاه تركيا أيضاً، التي تحرّكت القوات الأميركية في أجوائها قبل إطاحة القرشي وبعدها. هذه الواقعية ناجمة عن أن الأميركيين هم دائماً من أزاحوا قادة تنظيمات مسلّحة، مثل أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي وغيرهما. ولا يُمكن الحديث عن انسحاب مباشر بعد اغتيال أحد القادة المتشدّدين، إذ يكفي أن واشنطن لم تنسحب من كابول إلا بعد أكثر من عشر سنوات على قتل بن لادن. بالتالي، التفكير بانسحاب أميركي من سورية في الفترة المقبلة أمر غير قابل للتنفيذ، على اعتبار أن قتل قائدٍ متشددٍ لا يعني تراجعاً عسكرياً أو التمهيد لتشكيل بيئة حليفة للأميركيين، شبيهة بتسليم حركة طالبان أفغانستان. يكفي أن "داعش" صحا في الفترة الأخيرة، وقام بعمليات هي الأكثر كثافة منذ اندحاره في الباغوز السورية في عام 2019، وطاولت تحرّكاته دولاً عدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

عليه، لن يتراجع الأميركيون في سورية، بل أعادوا بقتل القرشي التأكيد على دورهم المحوري في "الحرب على الإرهاب"، وهو ما لم تفعله أي من القوات المقاتلة في سورية، لا الروس ولا الإيرانيون ولا الأتراك ولا حلفاؤهم من الفصائل المنتشرة. وهو ما يعني أن الخروج الأميركي من سورية سيسمح بنشوء حالة فراغ موضعية، لن يملأها أحد أسرع من تنظيم متشدّد. العراق في 2014 نموذجاً. أما حالياً في بغداد، فقد انسحبت القوات الأميركية المقاتلة قبل نهاية العام الماضي، لكن الجيش العراقي بات أكثر بأساً وتدريباً عما كان عليه منذ عقدٍ، فضلاً عن أن السلطات الرسمية في العراق متمسّكة بالحدّ الأدنى من التعاون الاستخباراتي والتقني والعسكري مع التحالف الدولي، بقيادة أميركية، ولو بسياقٍ تشاوري.

هنا تبدو فكرة "خروج الأميركيين من سورية"، واستطراداً من الشرق الأوسط، بعيدة نسبياً. انتشار الأميركيين العسكري ونفوذهم السياسي لم يعودا ثانويين في هذه المنطقة من العالم، خصوصاً بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، وإنشائهم قواعد عسكرية كبرى، مع استمرار تركيز النفوذ وتوسيعه. وهذا الوجود لم يكن يحلم به الرئيس الراحل دوايت آيزنهاور حتى، وهو الذي صاغ مبدأً حمل اسمه في عام 1957، لمواجهة "المدّ الشيوعي الذي يمثّله السوفييت للشرق الأوسط".

في أطمة، موقع مقتل القرشي، أعاد الأميركيون التأكيد أن لا حرب مضمونة "ضد الإرهاب" من دونهم، وأن لا حلّ سياسياً لسورية والعراق بمعزل عن إشراك حلفائهم، كحقٍ أساسي لهم، في السلطة. جميع اللاعبين في سورية سمعوا هذا، وأولهم الروس.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".