حتى التطبيع مع السعودية رفضته اسرائيل!

20 يناير 2024
+ الخط -

انقلبت الموازين، حتى جاء زمن ترفض فيه إسرائيل تطبيعا مع السعودية؟ هذا ما حصل فعلا. إذ حاولت الإدارة الأميركية مرّة أخرى إنقاذ نفسها من خلال محاولة إقناع نتنياهو وحكومته بضرورة تبنّي رؤية سياسية يتم بموجبها تبرير إيقاف الحرب على قطاع غزّة، والتوجه نحو تغيير قواعد اللعبة. ورغم هذه الرغبة الأميركية الضاغط والعاجلة، بقي الردّ الإسرائيلي متمسّكا برفض جميع الاقتراحات والإصرار على مواصلة الحرب حتى النهاية.

هرول وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، نحو تل أبيب يحمل معه مقترحا سعوديا مغرياً، من شأنه أن يفتح أفقا جديدا للطرفين. يتلخّص في المعادلة التالية: تطبيع سريع بين السعودية وإسرائيل مقابل قيام دولة فلسطينية. وسرّب الوزير أن ولي العهد، محمد بن سلمان، تعهّد، في هذا السياق، بإعادة إعمار غزّة مع دول خليجية أخرى، ودعم السلطة الفلسطينية بعد إصلاحها.

صحيحٌ أن العمل على تطبيع العلاقات مع المملكة مشروع قائم منذ سنوات، وكاد يعلن عنه رسميا لولا هجوم 7 أكتوبر الذي أربك الحسابات وأعاد خلط الأوراق، ووضع الجميع أمام أولوياتٍ مختلفةٍ وشديدة التعقيد. مع ذلك، لا تريد السعودية الإقدام على مثل هذه المغامرة الخطيرة بشكل مجاني ومن دون مقابل، فالذي ستقوم به غير مسبوق في التاريخ السياسي الإسلامي، ولم يكن واردا في أذهان مختلف الملوك والأمراء الذين تعاقبوا على الحكم في السعودية. يكفي التذكير في هذا السياق بقول الملك فيصل "لو أجمع العرب على الاعتراف بوجود إسرائيل وعلى تقسيم فلسطين لن ندخل معهم في هذا الاتفاق". كان يؤمن ويرغب بزوال اسرائيل. أكد ذلك بكل وضوح وشجاعة في مرحلة تاريخية صعبة. وبقطع النظر عن تضارب الروايات والتحليلات عن طبيعة القوى التي وقفت وراء اغتياله في 1975، فالأكيد أن مجموع المواقف والسياسات التي دافع عنها الرجل جعلت الغرب، وفي المقدمة الولايات المتحدة، يعملون بوسائل مختلفة على إزاحته بمختلف الطرق.

رفع الملك فيصل السقف عاليا، وجعل الاقتراب من المسألة الفلسطينية محفوفا بمخاطر كثيرة. في الأثناء، تغيرت مياه كثيرة داخل السعودية وفي المنطقة. وكان يفترض أن يقبل نتنياهو بالاقتراح السعودي، ويدفع، في هذا الاتجاه، خصوصا وأنه في موقع ضعف وليس موقع قوة، ليستمرّ في المناورة والابتزاز. كان عليه أن يقدّر أن نزول المملكة، بثقليها السياسي والمالي، وخصوصا ثقلها الديني، سيشكّل تحولا جذريا في موازين القوى وفي عالم الرموز بكامل منطقة الشرق الأوسط. لكن الرفض الإسرائيلي أجهض هذا التحرك الأميركي الذي لم يهدف إلى خدمة القضية الفلسطينية ووضع حد للعدوان على غزّة. على العكس، سيكون من تداعيات هذا المشروع إدخال الفلسطينيين في متاهة لن يجنوا من ورائها إلا مزيدا الصراعات والأوهام.

يستمرّ الحديث عن الحلول من دون الالتفات إلى وجود مقاومة استطاعت أن تصمد كل هذا الوقت. وهو عاملٌ لا يمكن لأي طرفٍ تجاهله أو إسقاطه من الحساب. هي حركة تحرّر وطني، متجذّرة في الشعب، متعدّدة الفصائل، أسست هيئة تنسيق موحدة. هناك رهان على السلطة من أجل لجم المقاومة بالقوة، وهو ما تحاول إثباته عبر القيام باعتقالات واسعة للشباب المقاوم في الضفة الغربية. ويعدّ ذلك لعبا بالنار في ظرفٍ حسّاس يتعرّض خلاله الفلسطينيون الى حرب إبادة، وهناك محكمة العدل الدولية في لاهاي تنظر، لأول مرّة، في أخطر قضية مرفوعة ضد إسرائيل.

ليس المهم البحث عن الأسباب الشخصية والسياسية لهذا الرفض الإسرائيلي للعرض السعودي، وإنما الأهم هو التساؤل عن تداعياته على مستقبل الصراع السياسي الحالي، فمن شأن صمود المقاومة أن يزيد من تهرئة حكومة الحرب ويعرّضها للهجوم من خصومها. قد تستمرّ الفاشية، وفي النهاية لن تؤدّي إلى سلام أو استقرار، ومآلها التفكّك والانهيار. لهذا، ينظر المؤرّخون الإسرائيليون، بقلق شديد، إلى مستقبل إسرائيل، ويعتبر بعضهم ما يحصل مقدّمات لتهديد الكيان برمّته.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس