حاشية في مسألة "الكواكب"
الراجح أن الرئيس، عبد الفتاح السيسي، لن يكترث بمناداة فنانين ومثقفين مصريين عديدين، بينهم رؤساء مهرجانات سينمائية ونقباء ونجوم، له من أجل "إعادة النظر" في قرار الهيئة الوطنية للصحافة، دمج مجلة الكواكب مع مجلتي طبيبك الخاص وحوّاء في موقع إلكتروني، ما يعني وقفا للمجلة الفنية الشهيرة التي صدر أول أعدادها في 1932 (بخمسة مليمات). وقد توجّه البيان إلى السيسي باعتباره "الداعم الأول للقوى الناعمة والمؤمن بأهميتها" (صفةٌ جديدة تُخلع عليه!). ولا يعود هذا الترجيح إلى أن مشاغل الرئيس قد لا تتيح له متابعة هذه المسألة، النافلة ربما وسط قضايا كبرى يتولاها، وإنما لأن "الكواكب" أعلنت، على صفحتها في "فيسبوك" عن "ثوبٍ جديدٍ" سترتديه في الأسبوع الحالي، في أول موقعٍ إلكتروني لها، سيكون، على ما يفيد الإعلان، "شاملًا أحدث الأخبار والتقارير الفنية، والتحقيقات الجادّة، والحوارات الرشيقة، ومقالات الرأي، وغيرها من المواد الشيقة والمفاجآت". وإذ تتالت، بعد القرار الحكومي الذي "أعدَم" المجلة العريقة، بتعبير كثيرين، الانتقادات الغاضبة له، وإذ هي من المرّات النادرة جدّا أن يُبادر شطرٌ عريضٌ من نجوم مصر وفنّانيها ونقباء المشتغلين بالموسيقى والتمثيل والسينما (وغيرهم) إلى مخاطبة رئيس الجمهورية في نداءٍ معلن، فإن بعض الحيرة قد يتسرّب إلى من يتابع هذا الملفّ، إذ لم يكن لمجلة الكواكب في السنوات العشر الماضية (أقله؟) ذلك الحضور القوي، مصريا وعربيا، ليس فقط لمقادير وفيرة من الرتابة فيها، ولقلّة المادّة الشائقة فيها، وإنما أيضا لازورارٍ كثيرٍ ومعلومٍ عامٍّ من جمهور القرّاء عن متابعة الصحف والدوريات المطبوعة، وهو أمرٌ لا جديد في القول بشأنه إنه تحدّ ثقيلٌ أمام الصحافة الورقية، في مصر وغيرها، فإذا كانت دوريات وصحف عديدة عتيدة في مصر نفسها (الصحف المسائية مثلا)، وفي لبنان ودول الخليج، وفي أوروبا والولايات المتحدة توقفت، فلماذا، إذن، كل هذا التفجّع بشأن "الكواكب"، والذي ينطبع بشعورٍ بأن وقْعا مفاجئا أحدثه نبأ وقفها.
ومن شواهد على قلة الاكتراث بالمجلة الفنية العتيدة في السنوات الماضية أن التعليقات الساخطة على وقفها، الوجيهة من زاويةٍ ما، وربما المحقّة، ذهبت إلى التذكير بما كانته في سنواتٍ بعيدة، وبما أدّته في عقودها الأولى، وبمكانتها في أزمنةٍ مضت، عندما كانت صورة الفنان الفلاني أو الفنانة العلانية على غلافها إشهارا لنجوميتهما، وتأكيدا على جماهيريتهما، ولذلك كان هذا الأمر بمثابة حلمٍ لدى فنّاني زمنٍ جميلٍ انقضى. ومن ذلك مثلا أن صورة الآنسة أمينة رزق على غلاف العدد الرابع في إبريل/ نيسان 1932 كان بمثابة إطلاق اسم الفنانة، القديرة النجمة فيما بعد. لم يأت المعلقون الغاضبون، المحقّون في بعض ما قالوه، على أرشيف "الكواكب" في أزمنتها الأخيرة، وقد صارت عاديةً، لا تستثير رغبةً قوية بمتابعتها، أو حرصا على مطالعتها، لغير سببٍ وسبب، منها طوفان أخبار النجوم وكل جديد يخصّهم في مواقع التواصل ووسائط "السوشيال ميديا"، فضلا عن تصدّر السوق مجلاتُ المنوّعات الفنية، الخفيفة إلى حدّ التفاهة أحيانا، بالصفحات الملوّنة، والتنفيذ المُكلف، والمزدحمة بإعلانات المجوهرات والعطور (مثلا)، وهي مجلاتٌ لبنانيةُ الروح غالبا، وتصدُر في الخليج وبعض المهاجر، ولم تستطع "الكواكب" أن تجاريها، فضلا عن أنه لم يبدُ عليها أنها تحفل بمنافسةٍ مع هذه المطبوعات.
سيقت أفكارٌ طيبةٌ في معرض الإلحاح على بقاء "الكواكب"، لمعالجة المسألة المالية الحادّة التي عصفت بها (وبغيرها)، والتي ضربت مطبوعاتٍ مصريةً تصدُر عن مؤسّسات حكومية تعاني من ترهّل إداري ومالي فظيعيْن. وطُرحت اجتهاداتٌ من شأنها "إنقاذ" المجلة التي ترأس تحريرَها في طورٍ مضى الكاتب الناقد الجادّ، رجاء النقاش. ولكن الأمر أعوصُ من أن يجري التداول في شأنه بهذه الكيفية، لأنه، ببساطة، متّصلٌ بأزمةٍ عميقةٍ تضرب الصحافة المصرية (وأعراض مشابهة حاضرة في بعض الصحافة العربية)، ما قد يعني أن "موت" مجلة الكواكب تعبيرٌ عن زمنٍ يرحل، وعن شيخوخةٍ ألمّت بهذه المجلة العتيقة، وأن أفكارا خلاقة لم يبادر إليها أحدٌ من أصحاب القرار والإدارة والتخطيط في وقتٍ أبكر، وأن النوستالجيات والمرثيات الحزينة، على ما في كثيرٍ فيها من أسباب الوجاهة، بل والوجوب أيضا، ليست كافية .. وهذا شرحُه يطول.