جديد الأكاذيب الإسرائيلية المفضوحة
مع اقتراب الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزّة من دخول شهرها الرابع، اتّسع نطاق التساؤلات التي تُطرح في إسرائيل أيضًا، سيما من محللين وكتّاب مقالات رأي في الطيف اليميني، وهي تساؤلاتٌ من شأنها أن تسلّط الضوء على ما يمكن اعتباره بمثابة إخفاقٍ مستمرّ ومتدرّج أعقب الإخفاق الاستراتيجي الأعظم الذي كشف عنه هجوم طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر. وبرسم هذه التساؤلات وحسب، في الوسع أن يُشار إلى ما يلي:
أولًا، مع أن الجمهور الإسرائيلي العريض لا يطّلع على معلومات بشأن سير الحرب مستقاة من مصادر أخرى غير الجيش، فإن بعض الأكاذيب التي يروّجها الجيش بدأت تفضحها الوقائع المُجرّدة. منها مثلًا تلك المتعلقة بالإحصاءات الجافّة، فقد نشر الجيش الإسرائيلي قبيل انتهاء العام الفائت أن وتيرة إطلاق الصواريخ والقذائف من قطاع غزّة في اتجاه الأراضي الإسرائيلية كانت في يوم 7 ديسمبر/ كانون الأول 75 ثم انخفضت، بفضل ما تحقّق من "إنجازات عسكرية"، إلى 23، ووصلت يوم 27 ديسمبر إلى 14، ما يعني "تآكلها" بنسبة 80%. ومباشرة بعد ذلك، تم إطلاق أكثر من 20 صاروخًا من غزّة في اتجاه وسط إسرائيل. ومن هذا، استنتجت إحدى كاتبات مقالات الرأي في صحيفة يسرائيل هيوم أن الجيش يكذب في سبيل الحؤول دون فقدان "الصواب الوطني".
ثانيًا، لا يقتصر هذا الكذب الإسرائيلي على الخسائر المزعومة للمقاومة الفلسطينية، وانعكاس ذلك على قدراتها ومقدرتها على الصمود والمواجهة، بل ينسحب كذلك على مراحل الحرب وفقًا لماهية تداولها عمومًا، وكل مرحلة منها على حدة. وليس المقصود جدولها الزمني ونقطتي البداية والنهاية فقط، بل أيضًا الأهداف التي وضعت لكل مرحلة ومدى تحقيقها. وأكثر ما يدور الجدل بشأنه في الأيام القليلة الفائتة موعد نهاية ما يوصَف بأنه المرحلة الثانية من الحرب التي عند انتهائها سيتوقف القصف الجوي والمدفعي الشامل، ويتم الانتقال إلى المرحلة الثالثة التي تعني، في القراءة الإسرائيلية، توجيه العمليات العسكرية إلى حركة حماس وفصائل المقاومة فقط. وتفيد الأنباء المتداولة أخيرًا في وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن هناك خلافًا بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن موعد بدء المرحلة الثالثة، مع الإشارة إلى أن واشنطن تريد أن تبدأ في موعدٍ لا يتعدى منتصف يناير/ كانون الثاني الحالي، في حين تلحّ إسرائيل على أن تبدأ إنهاء المرحلة الثانية، والانتقال إلى الثالثة في أواخر شهر يناير/ كانون الثاني الحالي.
في هذا المحور، تؤكّد استنتاجات عدة محللين في الطيف اليميني، مثلما يمكن الاستدلال مما يظهر في صحيفة "يسرائيل هيوم"، أن الكلام المتواتر بشأن الانتقال إلى المرحلة الثالثة يتوازى مع تغييب متى بدأت المرحلة الثانية؟ وماذا كانت أهدافها؟ وما الذي تحقّق منها؟ ومما كُتب في أحد هذه التحليلات: إن التقارير عن تقدّم الجيش الإسرائيلي في قطاع غزّة باتت متشابهة، والإنجازات بطيئة جدًّا وضئيلة والأثمان الباهظة آخذة بالتراكم. والتصريحات الناريّة بشأن القضاء على حركة حماس وقادتها بدأ يسيطر عليها الغموض، وبدلًا منها أخذت تظهر أفكار أخرى، كانت مرفوضة إسرائيليًا، على غرار طرد قادة الحركة، مثلما حدث مع قادة منظمة التحرير الفلسطينية إبّان الحرب على لبنان عام 1982، ودمج مقاتلي الحركة ضمن أجهزة السلطة الفلسطينية.
ثالثًا، لا يتورّع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وحلفاؤه من اليمين المتشدّد، عن إعلان مواقف مناقضة لما ترغب فيه الولايات المتحدة حيال اليوم التالي للحرب. وفي مقابل ذلك، يؤكّد محلّلو اليمين أن أصحاب هذا الإعلان يملكون "ترف" إشهار مواقف متناقضة، ولكن ليس مقدرة عدم تنفيذ رغبات واشنطن. والذي لا شكّ فيه أن أي قراءة للدور الأميركي في الحرب الحاليّة يجب أن ينطلق من أنه لن يبقى محصورًا في تقديم الدعم لإسرائيل وإمدادها بالذخائر خلال الحرب، بل يتجاوز ذلك إلى التدخّل بصوغ أفق سياسي واستراتيجي لها، وربط الأهداف العسكرية الإسرائيلية بالأهداف السياسية والاستراتيجية للولايات المتحدة ومصالحها في الشرق الأوسط.