جائزة كتارا وهفوة الرقم 60
يفرح أيّ كاتبٍ بنيل جائزة أدبية، هذه بداهةٌ لا تقبل نقاشا، وإن كان الأمر لا يعدو ربما شعورَه بالرضا عن الاعتراف بجُهده، والفرح ببلوغ عدد متزايد من القرّاء يفترض أن تحفّز الجائزة فضولهم ورغبتهم بقراءته. أيضا، في ما يخصّ الكاتب العربي بالذات، فإن الجوائز تُخرجه ولا بدّ أيضا من عزلةٍ داخليةٍ لا يجد فيها من يحاوره فعلا في ما يشغَله كمبدع، وتُسمع صوتَه بتسليط الضوء عليه ولو إلى حين. نسوق هذا كلّه لكي نقول إننا لسنا ضد الجوائز، واستباقا لأيّ انتقاد، نضيف أنها باتت ثابتةً وموجودةً شئنا أم أبينا، وإن تناولها بعين النقد يأتي من باب الحرص عليها ودفاعا عمّا وجب لها أن تكون عليه ووُجدت في الأساس من أجله، أكان ذلك شرقا أم غربا.
لكن، ثمّة اتجاه بات رائجا اليوم بين مثقّفينا ومبدعينا يُقصي كلَّ من يوجّه نقدا، أو يدعو إلى وجوب التصويب والتصحيح من أجل نتيجة أفضل، وذلك إما بتوجيه اتهاماتٍ ساذجةٍ بالغيرة والحسد والنقمة على كل نجاح وبهجة، أو بنشر عظاتٍ أخلاقيةٍ تدعو إلى وجوب الاحتفال بنجاح الآخرين وضرورة مقابلتهم بفيضٍ من التهاني والتبريكات، إثباتا للروح الرياضية وحسن النيّات وسعة الروح. هنا، أتوقّع أن يعلّق كثيرون بأن كتّابا عديدين فازوا بجوائز انتقدوها في ما بعد، أو استدرجوا اللجان إلى منحهم إياها بأن قبلوها سرّا، قبل أن يرفضوها علنا، وأن هناك من يتقدّم لنيل الجوائز، وما إن يُستبعد من قوائمها، حتى يشنّ عليها حروبا تشككّ في أهميتها ومصداقيّتها.
ليس موضوعنا هنا، وهو ليس في القيل والقال، أو في الزوبعة التي تُثار حول الجوائز العربية في كل عام. جوهر المسألة يقوم في آلية عمل أي جائزة، وفي عكسها بشكل فعليٍّ المشهد الأدبي أو الإبداعي العام. ولستُ أدري إن وجب التذكير والتأكيد بأن أهمية الجوائز تُكتسب بكشفها المواهب الحقيقية المخبوءة، وبدعمها الفرادة والتجريب والتجديد، وبمساعدة القارئ على التمييز بين معايير الجودة ومعايير الانتشار. ينبغي البدء من هذه النقطة بالذات، عند تناول الجوائز الأدبية العربية، متسائلين ومسائلين، بالفعل أيّ أدبٍ تراها تكافئ جوائزُنا (وهذا موضوع ينبغي أن يعالجه ذوو الاختصاص)، وما الذي يقوله ذلك عن حال ثقافتنا وما آلت إليه؟
أعلنت جائزة كتارا للرواية العربية أخيرا قائمتيها للرواية المنشورة وغير المنشورة تحت عنوان قائمة الـ 60. بعض المدرجة أسماؤهم في الأولى من الأدباء الذين نقدّر ونحترم. لكن، أن يتم الإعلان عن قائمة يُفترض، بحسب التقليد الشائع في معظم الجوائز التي نعرف، أن تكون القائمة الطويلة، وأن تضم 60 عملا دفعة واحدة، فهو ممّا يثير العجب أولا، يخلق سوء فهم ويسبّب لغطا ثانيا، ويسيء إلى الجائزة ومنظّميها ثالثا. لماذا؟ لأن لجان الفرز لا تعلن في العادة نتائجَها، طالما أن الفرز الأوّلي لا يُعدّ نتيجة. عمل اللجان تقليديا هو الاختيار لا التصفية، أي أن مهمّتها أن تقرأ وتجتمع وتناقش ما بلغها بعد التصفية الأولى، لكي تنتهي إلى اختيار أفضل 10 أعمال (أكثر أو أقلّ، لا يهمّ). لقد أحدثت قائمة الـ 60، للأسف، تشويشًا نتوقّع أن يتّسع ويتعاظم مع الإعلان عن قائمة الـ 30. والحال، حين تكون آلية عمل الجائزة مضطربة بهذه الشاكلة، فلا بد أن تأتي القراراتُ عشوائيةً ومسيئةً إلى مصداقيّتها، حتى وإن كانت الشفافية في الأساس، هي النيّة أو الهدف. ليست الجوائز الأدبية جمعية خيرية أو لعبة لطيفة يربح فيها الجميع، لأن الإبداع والفن انتقائيان إلى أبعد الحدود، وهما غير قابليْن للدمقرطة كما يدّعي بعضهم، اللهم إلا من باب التذوّق والاطلاع. فإذا ما اتفقنا على أن الموهبة لا تُعطى ولا تتوفّر لأيٍّ كان، وجب أن تكون الجوائز أيضا حكرا على أفضل الأفضل، أقلّه في نتاج هذا العام أو ذاك.
ليست جائزة كتارا للرواية العربية استثناء. جوائز عربية أخرى يشوبها الغموض والإرباك أيضا، وإن في نواح أخرى. ومع ذلك، نقول "مبروك" للّذين أُعلنت أسماؤهم في "القائمة الطويييلة جدا" كما علّق بعضهم، وإن كانت غصّة الرقم "60" ستنغّص فرحتهم.