توقيت صيفي
يمكنني الاعتراف، بكل صراحة، بأنني كنت أعتقد أن التوقيتين، الصيفي والشتوي، من اختراع الاحتلال الإسرائيلي، وذلك حين كنت صغيرة، وأرى المذيع في الفترة العربية من بثّ التلفزيون الإسرائيلي يعلن، بلغةٍ عربيةٍ ركيكة، موعد تقديم الساعة أو تأخيرها، وكان أبي وقتها يعيد عقرب ساعة يده الصغير أو يقدّمه، وكذلك يعيد ضبط ساعات الحائط المنتشرة في كل غرفةٍ من بيتنا تباعاً، ونتطوّع، نحن الصغار، بتغيير ساعة يد جدّي، ويبدأ جدّي في تحليل القرار، حسب تصوّره، فيما يفك إطار الساعة عن رسغه النحيل بارز العروق بأن عدوّنا عاقل، فهو يقدّم الساعة، لكي يستفيد من نشاط العمّال وطاقتهم أكثر. أما حين نؤخّر له الساعة حسب التوقيت الشتوي، فيحلل الأمر بأن عدوّنا ماكر، وله في هذا الإجراء أسرار نجهلها، نحن الشعب المحتل الذي فرض عليه أن يتبع عدوه في قوانينه وقراراته، وحتى تداول عملته وأمور حياتية أخرى كثيرة في غزّة تحت مسمّى الإدارة المدنية لقطاع غزّة.
ولأن كل شيء يتغير، فقد اكتشفت حين كبرتُ أن هذا الاختراع أو التقليد الذي يحصل مرتين سنوياً هو نظام عالمي، بدأ التفكير فيه في القرن الثامن عشر، لكن فكرته تحقَّقت أول مرة في أثناء الحرب العالمية الأولى، حيث أجبرت الظّروف البلدان المتقاتلة على وجود طرقٍ جديدةٍ للحفاظ على الطاقة. وتُعَدّ ألمانيا أول بلدٍ أعلن التوقيت الصيفي، تبعتها بريطانيا بعد مدّة قصيرة، والهدف تبكير أوقات العمل والفعاليات والمصالح الأخرى، لكي تنال وقتاً أكثر في أثناء ساعات النهار التي تزداد تدريجياً من بداية الربيع حتى ذروة الصيف، وتتناقص بعد ذلك حتى ذروة الشتاء.
وعلى الرغم من الهدف العام لابتكار التوقيت الصيفي، لا يمكن تخيّل أن له آثاراً صحية على الإنسان لا يتجاوزها سريعاً، بل يستغرق وقتاً يصل إلى أسبوعين، لأن تغيير نظام التوقيت، بعودة الساعة أو تقديمها ستين دقيقة يفسد الإيقاع الحيوي للجسم، ويعاني الإنسان من قلة النوم وزيادة الوزن السريعة. والتفسير العلمي لذلك، أن الجسم يحتاج مدّة ليست قليلة، لكي يستقرّ التوازن الهرموني لهرمون التعب المعروف بالميلاتونين، وكذلك هرمونات التوتر والكورتيزول والأدرينالين. وبسبب هذا التشويش الحيوي، يتمنّى نصف سكان ألمانيا، حسب استطلاعات الرأي، إلغاء تغيير التوقيت الصيفي الذي ابتدعته بلادهم!
ولا يمكن تخيّل أن خلافاً طائفياً سيقع في دولة متداعية اقتصادياً مثل لبنان، بسبب قرار البدء بالتوقيت الصيفي، خصوصاً مع تزامنه مع حلول شهر رمضان، واستمراراً لحرب السجالات السياسية حامية الوطيس في لبنان، التي تتحوّل إلى نزاع بشأن المكانة التي تتمتع بها كل طائفة دينية. ورغم كلّ النداءات إلى ضرورة العيش المشترك، ورغم الهمّ الاقتصادي المستفحل الذي لا يميّز بين مسيحي ومسلم، إلا أن ذلكما لم يمنعا من أن يصل ذلك النزاع إلى قضية التوقيت الصيفي، التي تناولتها مواقع إخبارية عالمية باستغراب واستهجان كثيريْن، خصوصاً أن من المعروف أن صيام المسلمين يرتبط بشروق الشمس وغروبها، وليس بالساعات.
وعلى ذكر الساعات، خدعتنا التكنولوجيا، لأنه في ليلة الـ26 من مارس/ آذار، وهو الموعد العالمي المقرّر لبدء التوقيت الصيفي، قدّمت ساعات الهواتف الذكية في قطاع غزة والضفة الغربية الساعة ساعة اتباعاً للتوقيت الصيفي المضبوط آلياً، ما أدّى إلى حدوث ارتباك ملحوظ في توقيت السحور عند المواطنين، وقد وقعت مع أفراد عائلتي فعلاً بمصيدة وفخ التكنولوجيا، حيث استيقظنا وتناولنا سحورنا بناءً على انطلاق صوت منبّه هاتفي الذكي وخلدنا إلى النوم بعد سماع أذان الفجر الأول، بل أدينا الصلاة لكي نكتشف في الصباح أننا قد وقعنا ضحايا للتكنولوجيا وإهمالنا ساعة الحائط الوحيدة المعلقة في غرفة الضيوف القصية من البيت، والتي لا نهتم بمتابعتها غالباً، كذلك فإننا تخلينا عن ساعات المنبّه الأثيرة التي توضع بجوار الأسرّة. وقبل ذلك تخلينا جميعاً عن ارتداء ساعات اليد، وألقينا بها في أدراجنا المنسيّة.