تكنولوجيا السوبر إنسان
خطا العالم خطوةً غير مسبوقة على طريق دمج الإنسان بالآلة... بعد أن تمكّن العلماء من زرع شريحة إلكترونية ذكية في دماغ إنسان، فاستطاع ممارسة مهام وأعمال حركية وذهنية، لم يكن ليقوم بها من دون تلك الشريحة. وهو أمرٌ مختلفٌ عن اختراع الإنسان الآلي (الروبوت) وتطويره، ومختلف أيضاً عن تحسين القدرات العقلية والبدنية للبشر أنفسهم، فالتطور الجديد يجمع العقل الإلكتروني مع العقل البشري في جسد واحد، ويوصلهما بخيوط رقيقة شبيهة بالألياف العصبية البشرية، ليندمجا ويتفاعلا معاً مثل بقية أعضاء الإنسان، ونصبح أمام إنسان "ميكاترونيك".
بعد أبحاث وتجارب معملية كثيرة، جرت تجربة تلك القفزة العلمية على شخصٍ مريض بشلل حركي، فنجح بعد تثبيت الشريحة الجديدة في التحكّم بالحاسب الآلي، بل وممارسة لعبة الشطرنج من خلاله، بواسطة أفكاره الذهنية فقط. كما لو كان يتفاعل مع الحاسب بالتخاطُب عن بعد. وذلك باستخدام إشارات إلكترونية تحمل أوامر الإنسان وأفكاره واختياراته، وتنقلها الشريحة من مخّه مباشرة إلى الحاسوب.
يفوق ذلك التحول بمراحل مستوى الاختراعات المعاونة للبشر، مثل سمّاعات الأذن، ومنظّم ضربات القلب، والأطراف الصناعية. وستخضع المفاهيم التقليدية لكل من "المرض" و"العجز" و"الشلل" لمراجعات وإعادة تعريف. إذ ستصبح تلك الشريحة الذكية جزءاً أصيلاً في التكوين الفسيولوجي لجسد الإنسان، مثل أي عضوٍ وُلد معه.
ولمّا كان عمل تلك الشريحة يتعلق بالمخّ والتوجيه العقلي لدى الإنسان، فإنها ستصير أحد مكوّنات العقل البشري. وبالتالي، هي أداة تفاعلية داخلية، تماماً كما يُحدّث نفسه أو يفكّر في صمت. وكذلك بينه وبين العالم المحيط به.
وبالطبع، سيحمل البشر الآخرون المحيطون به شرائح مماثلة، تتسم بالقدرة على الاستقبال والمعالجة والإرسال العكسي. وكذلك أي جهاز أو كائن يحتوي على شريحة ذكية مشابهة، فيستطيع أي إنسان التعامل مع مختلف الأجهزة والمعدّات التي يتعامل معها، ويتمكّن من التحكّم بها، من دون أن يضغط زرّاً أو يمسك مقبضاً. ويقود السيارة بالتوجيه عن بعد (بالتخاطر) ويطلب من هاتفه المحمول الاتصال بشخصٍ ما، أو يأمر حاسوبه بكتابة رسالة أو تنفيذ قائمة أوامر بعينها، أو تشغيل برامج معينة من دون فتحه يدوياً ولا النظر إليه.
وستتجلى إمكانات ذلك الامتزاج العضوي بين البشر والتكنولوجيا، في الحروب واستخدامات الأسلحة الذكية وزيادة فعاليّتها. إذ سيندمج البشر والسلاح في منظومةٍ متكاملة ومتفاعلة ذاتياً. كما ستتطوّر بشكل مذهل قدرات المسؤولين وأصحاب القرارات ورجال الأعمال والمستثمرين على إدارة الأعمال بنجاح مؤكّد ووضع سياسات رشيدة والقيام بمُفاضلات مثالية بين البدائل.
معنى ذلك، أن مستقبل تلك الشريحة الذكية، لن يقتصر على تسهيل المتطلبات الحياتية أو الصحية، فسرعان ما ستصل إلى حد رفع قدرات الإنسان العادي وتحسين مهاراته وإمكاناته، سواء ذهنياً أو حركياً. الأمر الذي يجعل المرء يتخيّل يوم يكون العالم مليئاً ببشر ذوي قدراتٍ شديدة التقدّم وغير عادية، بل ستزداد إمكاناتهم تلك تقدّماً وذكاء ومهارة بمرور الوقت. فببساطة، ستكون هذه القدرات كلها مرشّحة للاستبدال كلما تطور البحث العلمي وظهرت تقنيات جديدة وإصدارات أحدث من تلك الشريحة وأكثر شمولاً وتقدّماً وذكاء. ولن يستغرق الأمر سوى عملية تحديث برمجية بسيطة وسريعة، مثل أي برنامج حاسوبي.
حينئذٍ، لن يكون "سوبرمان" ذو القدرات الخارقة ضرباً من خيال سينمائي. لقد بدأ الأمر حالياً بالقدرات الذهنية والعقلية وحدها. لكن من يدري، فبعد أن تمكّن البشر من رفع قدرات العقل على التواصل والتفاعل، فلعل العضلات وبقية الجسم البشري تكتسب، هي الأخرى، قدرات استثنائية أو قوة خارقة، بشريحة صغيرة أو ربما شحنات إلكترونية، تنقل الجنس البشري عقلاً وجسداً معاً، إلى مرحلة "السوبر إنسان".