تعويم الأسد: ما العمل؟
سؤال "ما العمل؟" الذي طرحه فلاديمير لينين في كتيّب عام 1902، قبل قيام الثورة البلشفية، يجب أن يكون محور ما يدور في أذهان المعارضين السوريين، وليس المعارضة كهيئات ومنظّمات وفصائل، وهم يروْن هجمة التطبيع العربي لتعويم نظام بشار الأسد، والذي بات أمراً واقعاً مع انضمام السعودية إلى الداعين إلى عودة الاتصالات مع النظام السوري، وهو ما يمثل تحوّلاً جذرياً في العلاقة العربية مع نظام الأسد، بالنظر إلى الثقل الذي تمثله المملكة، والتي كانت إلى الأمس القريب من المعارضين الأشداء لعودة النظام إلى جامعة الدول العربية أو ما يسمّى "الحضن العربي".
وبغض النظر عن أسباب تحوّل الموقف السعودي وعلاقته بالمسعى إلى إبعاد النظام السوري عن إيران، وهو أمرٌ شبه مستحيل، أو ارتباطه بالاتفاق السعودي الإيراني الذي تم برعاية صينية، فإنه لا بد من الإضاءة على أسباب أخرى جعلت من إعادة تعويم الأسد عربياً مسألةً شبه محسومة. واحد من أهم هذه الأسباب فشل المعارضة السورية في إيجاد بديل حقيقي للنظام الحالي، وتشرذمها واستزلامها وتقديمها نماذج أقلّ ما يقال عنها إنها معيبة في المناطق التي سيطرت عليها. مثل هذا الفشل لا يقع على عاتق أطراف المعارضة وحدها، بل أيضاً على الدول الإقليمية، ومن بينها دول عربية، ساهمت، إلى حد كبير، في تقسيم المعارضة وتحويلها إلى منصّاتٍ متقاتلةٍ سياسية، وأحياناً عسكرياً، إضافة إلى تفريغها من أسماء كثيرة كان من الممكن، في مرحلةٍ من المراحل، أن تشكّل ثقلاً سياسياً يمكن طرحه طرفا مقابلا لنظام بشار الأسد. ورغم أن فشل هذه المعارضة بات مكرّساً، إلا أن هيئاتها ومنظماتها وفصائلها لا تزال تمارس حياتها السياسية العادية وكأن شيئاً لم يكن، وبالقدر نفسه من الاستزلام لأطرافٍ إقليمية.
قد يكون فات أوان انتقاد المعارضة الحالية، أو التعويل على إمكان إصلاحها، لكن يبقى سؤال "ما العمل؟" واجباً بالنسبة إلى معارضين سوريين كثيرين في الخارج، خصوصاً أنه لا يمكن التسليم بالمطلق "بانتصار بشار الأسد". وحتى وإن استطاع النظام استقطاب أطرافٍ عربيةٍ للتطبيع معه، إلا أن تطبيعا كهذا، في ظل الموقفين الأميركي والأوروبي، سيبقى محكوماً بالضغط والعقوبات الغربية المفروضة على النظام السوري، وبالتالي، ستبقى القدرة على تعويم النظام، بغضّ النظر عن الآليات، محدودة.
لا يمكن إنكار نجاح سوريين كثيرين في الخارج في تشكيل لوبيات ضغط، في الولايات المتحدة وأوروبا، لصالح قضيتهم، وتمكنوا في أكثر من مناسبة من الدفع باتجاه اتخاذ البرلمانات الأوروبية والكونغرس الأميركي قرارات إدانةٍ لنظام بشار الأسد وفرض عقوبات على أطرافه. كذلك نجح كثيرون من هؤلاء السوريين، والذين هاجروا إلى أوروبا معارضين، في لعب أدوار مهمة في منظمات المجتمع المدني التي أسّسوها وكانوا أطرافاً فيها، وهم لا يزالون يمارسون هذا الدور. أيضاً، فإن سوريين كثيرين، وبعد نيلهم جنسيات البلدان التي استضافتهم، تمكّنوا من دخول العمل العام، وتقلّدوا مناصب بلدية وحكومية في أكثر من دولة أوروبية.
القصد من هذه السردية أن المعارضين السوريين الذين خرجوا في بداية الثورة تمكّنوا من مراكمة خبرات سياسية كانوا يفتقدونها قبل عشرة أعوام. ومن المهم اليوم بالنسبة إلى هؤلاء محاولة توحيد الجهود وتوظيف هذه الخبرات في إيصال صوتٍ معارضٍ جديد خارج عن الاستقطابات الحالية التي تعيشها المعارضة السورية، وتقديم صورةٍ وتصوّر مختلفين عن واقع المعارض السوري ورؤيته لمصير بلده. من المؤكّد أن الأمر ليس هيناً، لكن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، ومن المهم جداً اليوم، أكثر من أي وقت مضى، أخذ هذه الخطوة للحفاظ على ما تبقّى من الثورة السورية.