تداعيات الحرب بعيون إسرائيلية

03 يناير 2024
+ الخط -

كيف يفكّر الإسرائيليون بعد "طوفان الأقصى" والحرب الوحشية المجنونة التي شنّها قادتهم على الفلسطينببن؟ ... دعونا نتجاوز ما يقوله أولئك "القادة"، ونتجه إلى قراءة عقل الجمهور العام، عبر ما يكتبه المحلّلون وكتّاب الأعمدة في الصحافة الإسرائيلية الذين كانوا، إلى أمد قريبن يلهجون بأوهام القوة والتفوق، فيما يرون اليوم بأم أعينهم سقوط تلك الأوهام وانهيارها في الواقع المعاش.

يعترف أوري مسغاف في "هآرتس" بتدهور مكانة إسرائيل في العالم، وينحو باللائمة على الدولة التي "تقدّس القتل بلا تمييز فتفقد تفوقها الأخلاقي وعدالة وجودها"، ما تسبّب في "الهزيمة الثانية التي تلحقها بنا حماس، وهي أسوأ من الهزيمة الأولى" في 7 أكتوبر. وفي مقالة أخرى في "هآرتس"، يكتب عاموس بولين إن "تصفية حماس هدفٌ مضلّل، وقد يستغرق سنوات، فضلا عن أنه يطرح تحدّيات جديدة أمام إسرائيل التي لن تعود إلى ما قبل 7 أكتوبر، (...)، والمطلوب تغيير الحكومة، واعتبار ذلك حاجة أمنية، والتنسيق مع الولايات المتحدة حتى تنسحب القوات من غزّة بالتوازي مع تحرير المخطوفين". يدعم هذا الرأي يوآف ليمور في "إسرائيل اليوم"، الذي يكتب: إن نزع قدرات "حماس" يحتاج بضع سنواتٍ كي يمكن أن يقوم حكم آخر في القطاع بأفقٍ مختلف، ويرى أن من الواجب اليوم إيجاد ظروف أفضل لإعادة المخطوفين، والتنسيق مع مصر "التي يهمّها، هي الأخرى، التخلص من حماس". ويقرّ المحلل العسكري في "هآرتس" عاموس هرئيل بأن إسرائيل تواجه "مصيدة استراتيجية" ليست واضحة كيفية الخروج منها، وخصوصا أن "المقاومة شديدة للغاية، وحماس لا تظهر مؤشّرات إلى الاستسلام"، ويخشى هرئيل "إمكانية ظهور منظمّات متطرّفة أخرى في المنطقة تقتدي بحركة حماس، وتتجمّع في حرب واحدة، وتحسم الصراع مع إسرائيل تدريجيا". ويرسم أيال فنتر في "هآرتس" سيناريو افتراضيا ساخرا عن الحال بعد 15 - 20 سنة، حيث يتم التوقيع على "اتفاق تاريخي" تضمنُه دول كبرى، لإقامة "دولة إبراهيم من النهر إلى البحر التي تضم مجموعتين سكانيتين، عرب ويهود، تفرق بينهما كراهية متبادلة"، مضيفا أن إسرائيل "الحالية" ستكون مضطرّة للقبول بهذا الاتفاق، بعدما أطاحت في السابق حلّ الدولتين! ويخلص فنتر إلى أن "إبقاء المشكلة الفلسطينية من دون حل يشبه وضع البطاطا في الفرن لفترة طويلة، وإذا لم يتم إخراجها في الوقت المناسب فسوف تحرق البيت كله". ويصرخ أورلي أزولاي في "يديعوت أحرونوت"، موجها كلامه إلى قادة إسرائيل: "لقد سوّينا غزة بالأرض، وخرّبنا، وجوّعنا، حتى بدت غزة مكانا غير صالح للبشر". ومع ذلك "لن تستطيعوا أن تهزموا فلسطينيا يقفز من نفق إلى آخر حافي القدمين". وفي مقابلة لصحيفة هآرتس معه، قال المؤرّخ الإسرائيلي موشي زيمارمان إن عملية طوفان الأقصى دمّرت إحساس الإسرائيليين بالأمان، كما "كشفت فشل الأيديولوجية الصهيونية"، ووصف الحال الحاضر بأنه "ميؤوس منه، حيث إننا ذاهبون إلى وضع يعيش فيه الشعب اليهودي في حالة من انعدام الأمن التام".

يدرك الشارع الإسرائيلي أن تصفية المقاومة الفلسطينية وتفكيك حلقاتها أمر صعب، ولا يمكن إنجازه من دون خسائر

تعكس هذه الانطباعات الجزء الطافي من المشهد الداخلي الإسرائيلي المأزوم، والذي وراءه ما هو أدهى وأمرّ، وهي تمثّل نبض الشارع الإسرائيلي الذي يُدرك تماما أن تصفية المقاومة الفلسطينية وتفكيك حلقاتها أمر صعب، ولا يمكن إنجازه من دون خسائر. أما حكومة اليمين القائمة فتعرف أنها، بمجرّد وقف الحرب، ستتعرّض للانهيار، ورئيسها نفسه نتنياهو سيسقط من دون رحمة، ولذلك يعمد إلى تجاهل كل هذه الأصوات الرافضة للحرب، ولا يرى الحلّ إلا في الإيغال في جريمة الإبادة الموجّهة إلى الشعب الفلسطيني كله، ويعد داعميه باستمرار الحرب شهورا عدّة. وتبرز هنا حقيقة الأزمة التي يعيشها الكيان المغتصب، والتي تتعمّق يوما بعد يوم، وتفرز مضاعفات وتعقيدات على صعيد الآمال التي كان سكّان إسرائيل يلوذون بها كلما شعروا بالمخاطر تحيق بهم.

والسؤال هنا، ألا يمكن لنا، نحن العرب، أن نحوّل الأزمة الإسرائيلية الماثلة إلى "فرصة" لممارسة الضغط على إسرائيل، وعلى راعيتها الولايات المتحدة للوصول إلى حلّ عادل يضمن إنصاف الشعب الفلسطيني ونيْله حقوقه المشروعة التي لم يعد ممكنا الاستمرار في تجاهلها، خصوصا بعدما أعادت عملية طوفان الأقصى القضية الفلسطينية إلى حجمها الطبيعي، وأخذت مكانا لها في اهتمام شرائح واسعة في العالم؟

وإذا كانت الأوضاع الراهنة، إقليميا ودوليا، لا تتيح إنجاز ما يراه الفلسطينيون "حلّا عادلا وشاملا" لهم، فلا أقل أمام العرب من أن يزيدوا من ضغوطهم السياسية والاقتصادية لوقف شلال الدم الذي يتدفق على مدار الساعة، وتلك هي المهمّة الآنية المطلوبة.

583FA63D-7FE6-4F72-ACDD-59AE85C682EB
عبد اللطيف السعدون

كاتب عراقي، ماجستير علاقات دولية من جامعة كالجري – كندا، شغل وظائف إعلامية ودبلوماسية. رأس تحرير مجلة "المثقف العربي" وعمل مدرسا في كلية الاعلام، وشارك في مؤتمرات عربية ودولية. صدر من ترجمته كتاب "مذكرات أمريكيتين في مضارب شمر"