24 أكتوبر 2024
بين مقديشو والرياض
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
لعل من الغضاضة أن تزاوج بين تناقضين متباعدين، في قضايا تعكس فشل السياسة الخارجية لأي بلدٍ ما، فسرعة الانحياز الصومالي الكامل، ولغة الخطاب السياسي التي استخدمت في ورقة التعبير عن هذا الانحياز، أقصد تأييد الصومال العربيةَ السعودية في أزمتها الدبلوماسية مع كندا، يشي بأن شيطاناً ما في التفاصيل، فمع صمت دول عربية وأفريقية كثيرة تجاه الأزمة الدبلوماسية بين الرياض وأتاوا، سرعان ما تكشف الدول المعوّزة قرارتها المتسارعة، حتى من دون أن تجد ضوءا أخضر من الكواكب العملاقة، وهذا ما اتّصفت به سياسات تلك الدول الفقيرة، مثلا بطرد من لا يعجب حلفاءها الخليجيين، وخصوصا الحليف السعودي، ومشهد طرد البعثة الإيرانية من مقديشو في عام 2016 دليل على ذلك.
من الصواب السياسي ألا تُحدث عداوةً جديدةً في حالة ضعفك، أو ألا تشارك على الأقل في حروب الديناصورات، فالصومال الذي يخرج من نفق الأزمات السياسية والأمنية، ويرمّم علاقاته الخارجية مع الجوارين، الإقليمي والدولي، ليس من مصلحته أن يخدش الآخرين بأوراق دبلوماسية، ربما لا تلحق أضراراً كبيرة لدى الآخرين، لكنها فقط ستترك أثراً قاتماً في ملفها الخارجي، فكندا التي استقبلت آلاف الصوماليين، ويعمل كثيرون في أرقى الوظائف والمناصب الحكومية فيها، تستحق ألا نشوّه صورتنا أمامها، وعلى الأقل ألا نحشر أنوفنا في سياسات ضدها، إذا لم تلامس سياساتنا وسيادتنا مباشرة.
في المقابل، لا تزال الرياض تمثل البعد الاستراتيجي الخليجي بالنسبة للصومال، فالعلاقات بينها وبين مقديشو قديمة، واتخذت مسارات ومحطات مختلفة، وظل الصومال عقودا يؤيد سياساتها، وعلى الرغم من ذلك، فإنه، حتى في أحلك أوقاته، لم تنتصر له الرياض في شيء، بدءاً بالحرب الأهلية، ومروراً بالغزو الإثيوبي على الصومال عام 2009، ووصولاً إلى استفحال ظاهرة الحركات المسلحة ضد الحكومات الصومالية منذ عام 2010. وعلى عكس دور دول إقليمية وغربية لوضع حدٍ للفوضى الأمنية في الصومال، أو على الأقل التقليل من مخاطر صعودها وتمدّدها والإضرار بالمصالح الغربية والإقليمية في المنطقة، لم يسجّل أي دور سعودي للوقوف إلى جانب الصومال، ليظل في أتون السياسات الأممية تارة، والغربية والإقليمية تارة أخرى.
في هذا الظرف الحرج، ومع غياب هذا الدور الذي كان مأمولاً من الأشقاء العرب، كان الصومال يتنفس بأريحيةٍ لتقبل أي توجه سياسي تتبنّاه الدول العربية، وخصوصا العربية السعودية، وكان صوته رديفاً لأصواتهم في أروقة الأمم المتحدة، حتى صار شأنه نسياً منسياً لدى العرب جميعاً، اللهم إلا ما ندر.
ومع هذا الإهمال السعودي له، ما زال الصومال يحمل في جعبته شيئاً من الجميل، وشيئاً من التبعية السياسية، ليأتي بيان وزارة الخارجية الصومالية تأكيداً على ذلك، وفيه أن الصومال يقف قلباً وقالباً مع الرياض، في أزمتها مع أوتاوا، معتبراً تصريح وزيرة الخارجية الكندية بشأن انتهاك حقوق امرأة سعودية بأنه يمسّ سيادة العربية السعودية، واستقلالية قراراتها. وبحسب مراقبين، يتخذ قرار مقديشو الانحياز للرياض ضد كندا تفسيراً آخر، فالصومال يبحث عن مخرجٍ من معضلة تدهور علاقاته مع الرياض التي أوقفت حزمة من المساعدات وعدت بتنفيذها قبل اندلاع الأزمة الخليجية، وكانت تقدّر بأربعة مليارات دولار، ويريد الصومال أن يرمّم تلك العلاقات مجدّداً أمام غضب الرياض.
وليس موقف الصومال هذا شيئاً جديداً، فقد سبق أن وقفت الحكومة الصومالية السابقة (2012-2016) مع الرياض، عندما اندلعت أزمة بين السعودية والسويد عام 2015. وبذلك يظل سجل الصومال حافلاً بكومة أوراق دبلوماسية، تؤيد الرياض في أزماتها ومحنها الدبلوماسية مع بعض من الدول في الشرق والغرب، إلا مرة واحدة، عندما أمسك الصومال العصا من الوسط، ولم يشاطر الرياض في مقاطعتها الدوحة. والأزمة التي اندلعت صيف العام الماضي (2017)، بإعلان أربع دول عربية مقاطعة قطر لم تكن أمراً مستساغاً لدول كثيرة، وكان الصومال من الدول التي استغربت هذه الخطوة، والتزم الصمت، وعندما جرى الضغط عليه نطق بالحياد، لكن محاولات استقطابه لم تتوقف ولم تنجح.
لماذا الحياد الصومالي بشأن الأزمة الخليجية، والانحياز الكامل للرياض بخصوص الأزمة الكندية ـ السعودية؟ ربما الإجابة واضحة، لأن سياقي الأزمتين، من حيث المسار السياسي، متشابهان إلى حدّ ما، ففي سياق الأزمة الخليجية يبقى الحياد موقفاً صائباً، أما الانحياز الصومالي للسعودية فأمر مختلف، وربما يحتاج تفسيراً أكثر دقةً مما سُرد آنفاً، فاسترضاء السعودية ليس سهلاً، وربما لن يكون صعباً بشرط واحد فقط، إذا عدّل الصومال من موقفه بشأن الأزمة الخليجية.
بين الصومال والسعودية علاقات تاريخية واقتصادية قديمة، لكنها لم تتطور منذ عقود، والتصدّع الذي أصابها أخيرا لم يرمّم بعد، بينما تسير العلاقات الصومالية القطرية بثبات نحو توطيدها، وليس معروفا إلى أين ستصل مستقبلاً، نتيجة غياب البعد الاستراتيجي والاقتصادي الذي سيحكم مسارها، فأي علاقةٍ غير موثّقة بدعائم اقتصادية وسياسية ومصالح كبيرة، لا يعوّل عليها.
من الصواب السياسي ألا تُحدث عداوةً جديدةً في حالة ضعفك، أو ألا تشارك على الأقل في حروب الديناصورات، فالصومال الذي يخرج من نفق الأزمات السياسية والأمنية، ويرمّم علاقاته الخارجية مع الجوارين، الإقليمي والدولي، ليس من مصلحته أن يخدش الآخرين بأوراق دبلوماسية، ربما لا تلحق أضراراً كبيرة لدى الآخرين، لكنها فقط ستترك أثراً قاتماً في ملفها الخارجي، فكندا التي استقبلت آلاف الصوماليين، ويعمل كثيرون في أرقى الوظائف والمناصب الحكومية فيها، تستحق ألا نشوّه صورتنا أمامها، وعلى الأقل ألا نحشر أنوفنا في سياسات ضدها، إذا لم تلامس سياساتنا وسيادتنا مباشرة.
في المقابل، لا تزال الرياض تمثل البعد الاستراتيجي الخليجي بالنسبة للصومال، فالعلاقات بينها وبين مقديشو قديمة، واتخذت مسارات ومحطات مختلفة، وظل الصومال عقودا يؤيد سياساتها، وعلى الرغم من ذلك، فإنه، حتى في أحلك أوقاته، لم تنتصر له الرياض في شيء، بدءاً بالحرب الأهلية، ومروراً بالغزو الإثيوبي على الصومال عام 2009، ووصولاً إلى استفحال ظاهرة الحركات المسلحة ضد الحكومات الصومالية منذ عام 2010. وعلى عكس دور دول إقليمية وغربية لوضع حدٍ للفوضى الأمنية في الصومال، أو على الأقل التقليل من مخاطر صعودها وتمدّدها والإضرار بالمصالح الغربية والإقليمية في المنطقة، لم يسجّل أي دور سعودي للوقوف إلى جانب الصومال، ليظل في أتون السياسات الأممية تارة، والغربية والإقليمية تارة أخرى.
في هذا الظرف الحرج، ومع غياب هذا الدور الذي كان مأمولاً من الأشقاء العرب، كان الصومال يتنفس بأريحيةٍ لتقبل أي توجه سياسي تتبنّاه الدول العربية، وخصوصا العربية السعودية، وكان صوته رديفاً لأصواتهم في أروقة الأمم المتحدة، حتى صار شأنه نسياً منسياً لدى العرب جميعاً، اللهم إلا ما ندر.
ومع هذا الإهمال السعودي له، ما زال الصومال يحمل في جعبته شيئاً من الجميل، وشيئاً من التبعية السياسية، ليأتي بيان وزارة الخارجية الصومالية تأكيداً على ذلك، وفيه أن الصومال يقف قلباً وقالباً مع الرياض، في أزمتها مع أوتاوا، معتبراً تصريح وزيرة الخارجية الكندية بشأن انتهاك حقوق امرأة سعودية بأنه يمسّ سيادة العربية السعودية، واستقلالية قراراتها. وبحسب مراقبين، يتخذ قرار مقديشو الانحياز للرياض ضد كندا تفسيراً آخر، فالصومال يبحث عن مخرجٍ من معضلة تدهور علاقاته مع الرياض التي أوقفت حزمة من المساعدات وعدت بتنفيذها قبل اندلاع الأزمة الخليجية، وكانت تقدّر بأربعة مليارات دولار، ويريد الصومال أن يرمّم تلك العلاقات مجدّداً أمام غضب الرياض.
وليس موقف الصومال هذا شيئاً جديداً، فقد سبق أن وقفت الحكومة الصومالية السابقة (2012-2016) مع الرياض، عندما اندلعت أزمة بين السعودية والسويد عام 2015. وبذلك يظل سجل الصومال حافلاً بكومة أوراق دبلوماسية، تؤيد الرياض في أزماتها ومحنها الدبلوماسية مع بعض من الدول في الشرق والغرب، إلا مرة واحدة، عندما أمسك الصومال العصا من الوسط، ولم يشاطر الرياض في مقاطعتها الدوحة. والأزمة التي اندلعت صيف العام الماضي (2017)، بإعلان أربع دول عربية مقاطعة قطر لم تكن أمراً مستساغاً لدول كثيرة، وكان الصومال من الدول التي استغربت هذه الخطوة، والتزم الصمت، وعندما جرى الضغط عليه نطق بالحياد، لكن محاولات استقطابه لم تتوقف ولم تنجح.
لماذا الحياد الصومالي بشأن الأزمة الخليجية، والانحياز الكامل للرياض بخصوص الأزمة الكندية ـ السعودية؟ ربما الإجابة واضحة، لأن سياقي الأزمتين، من حيث المسار السياسي، متشابهان إلى حدّ ما، ففي سياق الأزمة الخليجية يبقى الحياد موقفاً صائباً، أما الانحياز الصومالي للسعودية فأمر مختلف، وربما يحتاج تفسيراً أكثر دقةً مما سُرد آنفاً، فاسترضاء السعودية ليس سهلاً، وربما لن يكون صعباً بشرط واحد فقط، إذا عدّل الصومال من موقفه بشأن الأزمة الخليجية.
بين الصومال والسعودية علاقات تاريخية واقتصادية قديمة، لكنها لم تتطور منذ عقود، والتصدّع الذي أصابها أخيرا لم يرمّم بعد، بينما تسير العلاقات الصومالية القطرية بثبات نحو توطيدها، وليس معروفا إلى أين ستصل مستقبلاً، نتيجة غياب البعد الاستراتيجي والاقتصادي الذي سيحكم مسارها، فأي علاقةٍ غير موثّقة بدعائم اقتصادية وسياسية ومصالح كبيرة، لا يعوّل عليها.
دلالات
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
الشافعي أبتدون
مقالات أخرى
03 سبتمبر 2024
18 اغسطس 2024
27 يوليو 2024